خيارات سنة العراق.. بين المالكي وبارزاني!

TT

نقل عن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قوله إنه يتمنى لو قطع إصبعه ندما على قبوله الفيدرالية، ونقل عن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني تمنيه لو قطع إصبعه ندما على التحالف الكردي – الشيعي. وأرجح صحة ما نسب إليهما قولا وفعلا. لمعارضة المالكي لمبدأ لامركزية الدولة، ولشعور بارزاني بالإحباط جراء معارضة الشيعة لتوجهه في السيطرة على مناطق التماس المختلطة في كركوك وغيرها. غير أن السياسيين من العرب السنة الذين شاركوا «عمليا وفعليا وتنفيذيا» في كتابة الدستور، لم يظهر أحد منهم نادما ولم يقدم اعتذارا عن خطأ سلط سيفا على رقبة أبناء مذهبهم! وحتى في الندم، لم يساو معظم السياسيين من العرب السنة نظراءهم من الكرد والشيعة!

الصوت العربي السني غائب الآن عن الطريقة التي ينبغي التحدث فيها. وتبدو التقلبات السياسية لبعض السياسيين من هذه الشريحة كأنها ألعاب بهلوانية في سيرك من الطراز الأول، سقط منهم من سقط أثناء القفز من شجرة إلى أخرى. وعندما يكون الغياب لحساب مشروع وطني يبنى على العدل والإنصاف فإنه يستحق التبريك والإشادة. فالوطنية بمفهومها الحضري المبني على العدل والمساواة تمثل أعلى درجات التعبير عن المشروع الإنساني الذي يستحق الانتماء إليه، وبخلافه، لا مكان تحت الشمس لأمة يضيع صوتها رغم عمق الثقافة وسعة التراث.

العرب السنة ضائعون في توجهاتهم ويسألون ويتساءلون عن أي الفريقين يمكن التعويل عليه: رئاسة الإقليم الكردي «السني» أم شيعة السلطة المالكية؟ وتدل هذه الحيرة على حالة الضياع والتقصير الواضح من قبل معظم السياسيين السنة، وتبدو المعادلة معقدة بحكم النيات والأهداف. فالمتشددون من السنة يرون بارزاني أقرب إليهم بصرف النظر عن توجهاته الاستقلالية، فيما يرى القوميون المآخذ الطائفية على فريق المالكي مسألة مؤقتة تزول بزوال عقدة الحكم التاريخية، لا سيما أن وقت تدمير المدن وقمع الشعوب سيزول مع زوال سلطة القمع في دمشق، التي ستكون عبرة للعالم قريبا.

وبينما يتصدى رئيس إقليم كردستان لما يصفه بالتفرد في الحكم - وهو موجود في ملف الأمن - يصوت وزراؤه على معظم قرارات مجلس الوزراء، وربما كلها. وقيل إنه يدعم الثورة السورية ملامسا المشاعر الطيبة إيجابا، غير أن المؤشرات تحكي قصة دفعه لأكراد سوريا إلى المطالبة بتحديد شروط المشاركة في الثورة بحصولهم على نظام فيدرالي مقارب لنظام كرد العراق، تسرعا واستغلالا لظروف الثورة، دون مراعاة لعدم التقبل السوري لمثل هذه المطالب «حاليا»، وما تسببه المبالغة في المطالب من زيادة معاناة السوريين، خلافا لما يفترض من التوصية بالصبر والتأني في الطروحات القومية.

ولم تترك مؤسسات رئاسة الإقليم فرصة إلا واستحضرت الماضي تجاه الضباط. وفي المقابل يعيد المالكي دفعات متتالية منهم إلى الخدمة، ولو بطريقة انتقائية بدأت طائفيا! والحقيقة أن الضباط محسوبون على السنة وصف غير دقيق، فآلاف منهم كانوا من الشيعة، والدليل ثابت في تشكيل نحو سبعين لواء قتاليا في الدفاع والداخلية.

وخلاف توجهات الرئيس الطالباني ومطالباته المستمرة بالصبر والحوار حيال «المناطق المتنازع عليها» أو «المختلطة»، يصر رئيس الإقليم على التشدد ورفض ترحيل النقاط الخلافية. وفي المقابل يتمسك المالكي بسياسة صد ورفض واضحة في هذا المجال، فتزداد قدرته على استقطاب العرب السنة. ويفترض بالإقليم الأخذ برؤية الرئيس العراقي جلال طالباني، للمساعدة في بناء عراق ديمقراطي بدلا من التصعيد المتقابل، الذي لا يخدم روح الأخوة بين الكرد والعرب، ولا مبرر للتعجل في الاستقلال الذي سيتحقق في يوم ما. ولم تحقق سياسة التجييش وتحريك القوات والتهديد المسلح نتائج إيجابية في السابق، ولن تفرض الإرادة على الآخرين مستقبلا، فمصير الأمم أصبح مفتوحا على العالم الخارجي. وسيترك تحريك قوات البيشمركة الأخير أثرا دافعا يعزز حجة المالكي في التسلح.

كتبت في السابق عشرات المقالات منتقدا المالكي بشدة، فهل يمكن مواصلة ذلك مع تشدد رئاسة إقليم كردستان؟ بيد أنه مطالب بـ«وقف الفساد بقوة»، وتحجيم النفوذ الإيراني ضمن مفهوم حسن الجوار، وتأييد الشعب السوري، وصون حقوق العرب السنة كإخوانهم الآخرين، وإعادة التحرك عربيا لإعادة العراق إلى محيطه العربي، ومن يتحرك إلى الأمام يحصل على تأييد العرب السنة. وهذا أقل ما لكم من حقوق مشروعة يا سنة عرب العراق، فتمسكوا بها لبلورة مشروع وطني متوازن.