من دفاتر القضاء

TT

من المشاكل الاساسية التي اخذت تعاني منها الحكومات في شتى انحاء العالم، ان الناس لم يعودوا يموتون بنفس السهولة واليسر كما كانوا يفعلون في الماضي. يلقي ذلك اعباء كبيرة على المؤسسات الصحية، فبينما كانت تتخلص الحكومة من المواطن بمجرد اصابته بالرشح او المغص او الصفراء، اصبح في هذه الايام يستعصي حتى على السرطان فتضطر الى مداواته والسهر عليه لسنوات. انه في رأيي نوع من البطر. اكثر من ذلك ازعاجا مسألة التقاعد. فمعظم الحكومات وشركات التأمين تعهدت للمواطن بمعاشات سخية للتقاعد على اساس انه سيموت قبل ان يبلغ سن التقاعد او بعد سنة او سنتين من تقاعده. ولكنهم في هذه الايام يعيشون الى الثمانين والتسعين، بل المائة، والدولة تدفع. انا واثق ان الكثير من الحكومات تحلم الآن بذلك العالم الذي يستطيع التوصل الى وسيلة تقصر لها عمر المواطن بدون اثارة ضجة او معارضة.

ولكن يظهر ان السلطات الكولومبية قد نجحت بالضبط في الوصول الى مثل هذه الوسيلة، على نحو ما اوردته وكالة رويترز في 8 يونيو الماضي حيث قالت:

«ادلى اندريه كونزالز، محافظ ولاية كنديناماركا، بافادته عن موت المسن ارثورو سوسب فقال «كانت هذه حادثة مؤسفة حقا، ولكنها لن تضعف من عزيمتنا قط، ان شهادات البقاء في الحياة ضرورية لمكافحة الفساد. ولن اتخلى عن هذا النظام لمجرد انه يؤدي الى موت بضعة مسنين اثناء محاولتهم الحصول على هذه الشهادات. انني ارمي في المرحاض بكل هذه الاحتياجات التي تردني من ذوي الضحايا».

كان محافظ ولاية كنديناماركا يتكلم بعد موت المزارع المسن ارثورو سوسب الذي تجاوز عمره الثامنة والسبعين بعد اصابته بسكتة قلبية قاضية نتيجة لوقوفه في الصف تحت الشمس المحرقة انتظارا للحصول على شهادة الحياة من مكتب اثبات الحياة التي تشهد له رسميا بوجوده حيا. وقال المحافظ كونزالز «ان شهادات البقاء في الحياة نجاح كبير لانها تساعدنا في الكشف عن المزورين في استحقاقات التقاعد، اي الذين يقبضون معاشات تقاعد عن اناس ماتوا منذ سنين». ولكن لسوء الحظ ان البيروقراطية بطيئة في عملها وكثيرا ما تفرض على هؤلاء المسنين الوقوف في صفوف الانتظار لعدة ايام قبل حصولهم في الاخير على شهادات الحياة. ولكن في بعض الاحيان يجد بعض المسنين والمسنات الوقوف في مثل هذه الصفوف طوال النهار في الحر الشديد وتحت الشمس المحرقة اكثر مما تستطيع اجسامهم تحمله فيموتون في الانتظار. بيد ان من الضروري النظر الى الموضوع من هذه الزاوية، وهي اننا بهذه الطريقة استطعنا ان نخفض ميزانية معاشات التقاعد بنحو ثلاثين في المائة منذ ان بدأنا بتطبيق هذا النظام. ومما لا شك فيه ان هذه النتيجة هي شيء في صالح المصلحة العامة».

ما ان قرأت هذا التقرير عما يفعلونه الآن في كولومبيا مع المسنين حتى بدأت بفهم الغرض من صفوف الانتظار التي نواجهها في اكثر مدن عالمنا العربي تحت الشمس المحرقة، وفي اعلى درجات الحرارة. انها احسن وسيلة للحد من زيادة السكان برفع معدلات الوفاة وتخفيض ميزانية معاشات التقاعد والخدمات الصحية. انها بدون شك انجح واضمن من الاعتماد على موانع الحمل ولا تكلف الدولة اي شيء.