العلاقات بين ثورة يوليو.. والوفد.. وفؤاد سراج الدين

TT

انتقال فؤاد سراج الدين إلى رحاب الله يطوي صفحة عمر امتد تسعين عاماً حافلة بالعمل السياسي. ويفتح صفحة ذكريات عن علاقة الوفد مع ثورة 23 يوليو (تموز) 1952 التي قامت بينما كان مصطفى النحاس باشا (زعيم الوفد) ومعه فؤاد باشا سراج الدين (سكرتير الوفد) يقضيان الاجازة الصيفية في سويسرا.

قرر النحاس باشا فور سماع اخبار الثورة العودة إلى مصر على أول طائرة وكانت هذه هي أول طائرة يركبها في حياته فقد اعتاد ركوب البواخر في رحلاته إلى اوربا. وما ان وصل إلى مطار القاهرة حتى اتجه إلى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في كوبري القبة، وكانت الساعة قد بلغت الثانية بعد منتصف ليلة 28 يوليو.

ويقول محمد نجيب في كتابه «كلمتي للتاريخ» انه استيقظ عندما بلغه وصول النحاس وفؤاد سراج الدين وطلب من الأعضاء الموجودين من مجلس القيادة الحضور لمقابلتهما، وبعد الترحيب بهما فضلا العودة إلى المنزل بعد جهد الرحلة ولأن الساعة كانت تقترب من الثالثة صباحاً.

ولم تكن هذه هي المقابلة الأولى بين فؤاد سراج الدين وعدد من الضباط الأحرار، فقد سبق أن التقى مع قائد الجناح وجيه أباظة أحد الضباط الأحرار والذي تعاون معهم في تقديم المساعدات للمتطوعين خلال فترة الكفاح المسلح، كما التقى بالبكباشي أحمد أنور الذي أبلغه عدم رضاء الجيش عن أوضاع السراي وأبدى الاستعداد لمساندة الوفد في أي تصرف مضاد للسراي.

وقد لعب الوفد دوراً ايجابياً في حركة الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال البريطاني بعد أن أصدر تشريعاً بسجن كل عامل يعمل في القاعدة البريطانية. وخلال أيام قليلة امتنع العمال جميعاً عن العمل وقام وزير الشؤون الاجتماعية بترحيلهم إلى القاهرة ودفع مرتباتهم كاملة.

تواصل الكفاح المسلح بدعم الحكومة الوفدية إلى أن هاجمت قوات الاحتلال البريطاني محافظة الاسماعيلية يوم 25 يناير 1952، الأمر الذي أدى إلى حريق القاهرة يوم 26 يناير واقالة الحكومة الوفدية وتحديد وزارة نجيب الهلالي لاقامة فؤاد سراج الدين في بلبيس يوم 15 مارس 1952 مما دفعه إلى رفع قضية أمام مجلس الدولة الذي أصدر قرارا بالافراج عنه يوم 15 يوليو ثم سافر بعد ذلك للخارج مع النحاس باشا يوم 18 يوليو.

هذا الموقف الوفدي المتميز كان موضع تقدير الضباط الأحرار. وأذكر أن جمال عبد الناصر قد انبرى للدفاع عن موقف وأسلوب الحكومة الوفدية ضد قوات الاحتلال في اجتماع عقدته لجنة الضباط الأحرار بالاسكندرية في ابريل 1952.

وبعد انتصار الثورة عقد أكثر من لقاء بين فؤاد سراج الدين وجمال عبد الناصر دار فيها حوار حول قانون الاصلاح الزراعي. واختلفت وجهات النظر، فقد كان سراج الدين يفضل عدم مصادرة الأرض ويرجح كفة الضريبة التصاعدية. وكانت قيادة الثورة ترى في تحديد الملكية تحريراً للفلاح من سيطرة الاقطاع.

وظهر خلاف آخر حول النظرة إلى الدستور والأحزاب. فقد كان الدستور ينص على دعوة مجلس النواب المنحل صاحب الأغلبية الوفدية للنظر فيمن يخلف الملك. ولكن سليمان حافظ المستشار بمجلس الدولة المنتمي للحزب الوطني، قدم مشروعاً بتعيين مجلس وصاية مؤقت تشكل من الأمير محمد عبد المنعم رئيساً وعضوية بهي الدين بركات باشا والقائمقام رشاد مهنا.

وكان ذلك بداية لخلافات ظهرت بعد خروج علي ماهر باشا من رئاسة الوزارة بعد 47 يوماً وسقوط الحكم المدني في مصر شكلاً وموضوعاً بعد استقالته.

وكان فؤاد سراج الدين سكرتير الوفد ضمن المعتقلين السياسيين الذين تم اعتقالهم يوم 7 سبتمبر 1952 وتقديمه بعد ذلك لمحكمة الثورة في سبتمبر.

كانت محكمة فؤاد سراج الدين هي أطول محكمة، إذ امتدت 45 جلسة ومن المؤسف أن قرارها جاء فيه أن المحاكمة تعيب وتأسف على موقف الحكومة الوفدية المرتجل من معركة التحرير بالقنال وعدم الاستعداد لها. وهكذا تحول الموقف الذي يستحق الفخر في تاريخ الوفد إلى موقف يجلب له العيب والأسف. ولكنها مع ذلك أشادت بنزاهته! صدر الحكم على فؤاد سراج الدين بالسجن 15 عاماً ثم أفرج عنه عام 1957 ولم يعد هناك دور سياسي يمكن أن يلعبه بعد حل الأحزاب وتشكيل الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي.

وتغيرت الأمور بعد انتقال جمال عبد الناصر إلى رحاب الله وانتخاب أنور السادات رئيساً للجمهورية حيث بدأ تغير في الواقع السياسي عندما تشكلت المنابر عام 1974 ثم صدر قانون الأحزاب عام 1977 وتشكل (حزب الوفد الجديد) الذي اختار يوم 4 فبراير 1978 يوماً لميلاده تحدياً للمحاولات السابقة لتلطيخ سمعة الوفد لقبوله الوزارة في نفس اليوم عام 1942.

ولم تمض عدة شهور حتى أعلن أنور السادات عن استفتاء لا يسمح بالانتماء للأحزاب السياسية لكل من تقلد منصباً وزارياً قبل ثورة 23 يوليو، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ حزب الوفد قراراً بحل نفسه يوم 4 يونيو 1978. ولكن استفتاء جديداً قدمه أنور السادات يوم 10 ابريل 1979 أعلن فيه اطلاق حرية تكوين الأحزاب قرر حزب الوفد الجديد بعدها العودة للحياة السياسية.

ولكن فؤاد سراج الدين تعرض للاعتقال مرة أخرى في سبتمبر 1981 مع 1560 شخصية في ليلة واحدة ولم يفرج عنه إلا بعد اغتيال الرئيس السادات يوم 6 أكتوبر من نفس العام، بأمر من الرئىس محمد حسني مبارك الذي استقبله مع عدد من المعتقلين المفرج عنهم فور خروجهم من المعتقل.

ومنذ ذلك الوقت وحزب الوفد الجديد يمارس نشاطه السياسي لتثبيت الديموقراطية في إطار ثورة 23 يوليو.

وهكذا كانت شخصية فؤاد سراج الدين التي عاصرت العمل السياسي أكثر من ستين عاماً في صورة من صور الجهاد من أجل التحرر الوطني والديموقراطية.