دستور «الإخوان» ينقل الصراع إلى الميدان

TT

منذ مشاركتهم في ثورة الشعب المصري في 28 يناير (كانون الثاني) 2011. رفض الإخوان المسلمون التوافق مع باقي أطياف الأمة على كتابة الدستور. وبينما أراد المصريون الذين أطاحوا بنظام الحزب الوطني إقامة نظام مدني ديمقراطي يسمح بالمعارضة وتبادل السلطة، صمم الإخوان على إقامة دولة الإسلام السياسي التي لا تبيح لغير الإسلاميين حكم البلاد. وهكذا يتبع الإخوان في مصر نفس الطريق الذي سار عليه الإمام الخميني في إيران، حيث قام أنصاره بالسيطرة على ثورة الشعب ثم أعلنوا جمهورية إسلامية لا يسمح لتبادل السلطة إلا لمن ينتمي لتيارهم الإسلامي.

فعندما قام الطلاب الإيرانيون بالثورة على حكم الشاه رضا بهلوي في 1978، كانت أهدافهم هي ذات أهداف ثوار ميدان التحرير، تحقيق الديمقراطية والعدالة، وكان الثائرون ينتمون للجماعات الليبرالية ومجاهدين خلق. عندئذ أدرك آية الله الخميني – الذي كان خارج إيران – أن فرصته قد أصبحت سانحة للاستيلاء على حكم البلاد، فأعلن تأييده لثورة الطلاب وطالب أتباعه بالانضمام إليهم. وعندما قرر الشاه إعلان الأحكام العرفية ونظم الطلاب مظاهرات مليونية أجبرته على الرحيل، عاد الخميني إلى طهران حيث استقبله الثوار استقبال الأبطال. وسرعان ما انقلب الخميني على شباب الثورة وكتب دستورا جديدا للبلاد، أعلن فيه قيام الدولة الإسلامية في إيران، ثم قام بتصفية شباب الثورة باعتبارهم أعداء الله.

وبعد ثورة الشباب في مصر طرح الدكتور علي السلمي - نائب عصام شرف رئيس الوزراء المصري آنذاك - وثيقة تتضمن المبادئ العامة التي يجب أن يقوم عليها دستور الثورة المصرية. ونصت الوثيقة على أن مصر دولة مدنية ديمقراطية تقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون، وأن الشعب المصري جزء من الأمة العربية والإسلام هو دين الدولة، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. وقرر أن يقوم نظام الدولة على التوازن بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة، وتعدد الأحزاب، شريطة ألا تكون عضويتها على أساس ديني أو عرقي أو طائفي. كما حددت وثيقة السلمي طريقة تشكيل الجمعية التأسيسية التي تقوم بوضع الدستور، بحيث تتضمن ثمانين عضوا يتم اختيارهم من بين المؤسسات المدنية، ويكون لمجلس الشعب الجديد اختيار عشرين عضوا فقط.

لكن الإخوان سارعوا بالاعتراض على وثيقة السلمي، ورفضت جماعات الإسلام السياسي الوثيقة في مجملها، وهددت بالنزول إلى الشارع والاعتصام حتى يتم إلغاء وثيقة الدستور. ولأنهم كانوا يتوقعون أن تكون لهم الأغلبية في مجلس الشعب الجديد، أصر الإخوان على أن يتولى هذا المجلس اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، كما رفضوا أن ينص الدستور الجديد على أن مصر دولة مدنية، حيث كانوا يخططون لإعلان الجمهورية الإسلامية.

قررت جماعات الإسلام السياسي الخروج إلى ميدان التحرير في مظاهرة في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، لمطالبة المجلس العسكري بإلغاء وثيقة المبادئ الدستورية، واحتشدت الحركات السلفية ومعها أحزاب الإخوان المسلمين في ميدان التحرير. ولما كان شباب الثورة عندئذ ما زال يثق في وعود الإخوان بعدم نيتهم السيطرة على الدولة، نزل عدد من التيارات والحركات الشبابية لمشاركتهم في الميدان. وبينما طالب الإسلاميون بإلغاء وثيقة الدستور، طالب شباب الثورة بسرعة تسليم المجلس العسكري للسلطة إلى المدنيين وتحديد إطار زمني لذلك. وتحت ضغط شباب الثورة، قرر المجلس العسكري قبول استقالة وزارة عصام شرف، فسقط علي السلمي وسقطت معه وثيقة الدستور.

وبينما اعتبر بعض متحدثي الإخوان أن معارضي الرئيس مرسي الذين لم يوافقوا على إعلانه الدستوري هم من الكفار، وصف مهدي عاكف، المرشد العام السابق لجامعة الاخوان المسلمين، الجماهير التي رفضت إعلانه الدستوري بأنهم «لا يحبون مصر». («الشرق الأوسط» 28\11\2012). وإصرارا منهم على عدم التراجع عن فرض دستورهم على شعب مصر - بعيدا عن رقابة القضاء ودون مشاركة ممثلي التيار المدني - قرر الإخوان استعجال تقديم مشروعهم للدستور، وطرحه للاستفتاء بشكل سريع. وبعد استبعاد رقابة القضاء واستبدال المحافظين ومسؤولي الإدارة المحلية بأهل الثقة، أصبح الإخوان واثقين من أن نتيجة الاستفتاء سوف تأتي بموافقة على دستورهم، ولا يهم اعتراض الفئات الأخرى عليه. وهم في هذا يتبعون المثل القائل: «اللي مش عاجبه يشرب من البحر».

ورغم وجاهة هذه الخطة، فهناك شيء لم يحسب الإخوان له حسابا في هذه المعادلة. ذلك أن الملايين التي ساندت الإخوان في انتخابات البرلمان والرئاسة، هي ذات الملايين التي خرجت الآن إلى الميدان لمنع سيطرة الإخوان على حكم مصر. وإذا كان من الممكن هزيمة القلة من المعتصمين في ميدان التحرير، فهل في استطاعة الإخوان هزيمة شعب مصر من الإسكندرية إلى أسوان؟