الزعيم اللقيط

TT

أصبحت حكايات الزور والتزوير ظاهرة شائعة، والحمد للتكنولوجيا الحديثة. اتضح أن عشرات من كبار المسؤولين في العراق قدموا شهادات جامعية مزورة. والألوف من العرب والمسلمين اقتحموا أوروبا وحصلوا على مساعدات اللاجئين بجوازات سفر مزورة. لا أدري كم منا يعيش مع امرأة بشهادة زواج مزورة.

والظاهرة لها جذور تاريخية كما ألاحظ. ومنها أن أصبح رمزي مكدونالد زعيما لحزب العمال البريطاني في الثلاثينات ثم رئيسا للوزراء بشهادة ميلاد مزورة وباسم كاذب في الحقيقة. فقد كان مكدولاند من كبار قادة الاشتراكية وسجن خلال الحرب العظمى لرفضه حمل السلاح ومحاربة الألمان. وكان هذا ما أثار حفيظة المحافظين ضده، وعلى رأسهم الكاتب الصحافي جون بوتملي الذي كشف في مقالة طويلة نشرتها صحيفة «جون بول» اسمه وحقيقة نسبه. قال فيها:

«منذ أن اتخذ هذا الرجل الذي يسمي نفسه جيمس رمزي مكدولاند، في حين أن اسمه الصحيح هو جيمس مكدولاند رمزي، موقفه بتحدي نداء الملك (بحمل السلاح)، وصفناه باستمرار بأنه خائن وجبان. لقد دخل البرلمان بهوية كاذبة.. بحيث ألقى علينا واجبا أليما ومخزيا، وهو إبراز شهادة ولادته.. فهذا الرجل المخل بشرف وطنه والطاعن لبلاده من الخلف ليس سوى ابن لا شرعي ولدته سفاحا امرأة خادمة اسكوتلندية».

بعد نحو أسبوع، اطلع مكدولاند صدفة على المقالة أثناء ركوبه القطار بمعية الليدي مرغريت سكفيل. فكتب في يومياته بأنه قضى إثر ذلك ساعات مصحوبة بأفظع ألم فكري. «كانت أول مرة في حياتي أرى فيها شهادة ميلادي. لم أكن أعرف قط قبل ذلك أنهم سجلوني في سجل المواليد بلقب رمزي. وما زلت عاجزا عن فهم ذلك».

ولا أنا. كيف قضى حياته من دون أن يعرف حقيقة هويته؟ بيد أن شيئا آخر يلفت النظر. هذه ظاهرة كثيرا ما ترددت في تاريخنا وتاريخ سائر الأمم، وهي وصول شخص لقيط إلى قمم المجد وفرض إرادته على سائر المواطنين صحيحي النسب الذين يتحدرون من ولادة شرعية.

أتذكر تفسيرا طريفا للكاتب والفنان الإنجليزي الاشتراكي وليم موريس في إحدى قصصه القصيرة التي يبرز فيها لقيط آخر بطلا للقصة. فهو يعتبر اللقطاء أشخاصا متميزين. فلا بد أن أمهم كانت فاتنة ورائعة جدا إلى الحد الذي فتنت به رجلا لم يستطع أن يقاوم الرغبة في مراودتها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لا بد أن ذلك الرجل كان على درجة عالية من الذكاء والموهبة والشخصية بحيث لم تستطع تلك المرأة غير أن تستسلم له. فيولد اللقيط - كما يرى وليم موريس - من أبوين متميزين.

أقول ذلك وأفكر، كم يا ترى من الديكتاتوريين الذين اغتصبوا الحكم وبطشوا وأذلوا شعوبهم وأذاقوها العذاب كانوا ممن ينطبق عليهم هذا الكلام؟