فلسطين تضع نهاية لحظها العثر في الأمم المتحدة

TT

على الرغم من وصف إسرائيل لاعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين بأنه شيء «لا معنى له»، لكن هذا الاعتراف الذي وافق التاسع والعشرين من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) يعد حدثا ذا مغزى كبير وأهمية تاريخية على حد سواء؛ فهو ذو مغزى لأن فلسطين قد حققت هدفها أخيرا وأصبحت دولة، وهو ما كان يمكن تحقيقه عام 1948 مع إسرائيل لو كان العرب قد منحوها الدعم اللازم آنذاك. ونجحت فلسطين الآن، بفضل أصدقائها، في وضع حد لحظها العثر في الأمم المتحدة، بعد أن حصلت على دعم 138 دولة من الدول الأعضاء، مقابل اعتراض 9 دول وامتناع 41 دولة عن التصويت.

ويعد تحليل هذه الأصوات بمثابة مؤشر آخر على أهمية النتيجة، حيث كشف تصويت التاسع والعشرين من نوفمبر النقاب عن واحد من أكثر التفاصيل أهمية وإثارة في السياسة الدولية.. هناك جبهة مكونة من ست دول دائما ما تقف إلى جانب إسرائيل في أي شيء يتعلق بالقضية الفلسطينية، بغض النظر عن الموضوع، فإلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، هناك ناورو، وبالاو، وميكرونيزيا، وجزر مارشال، وهي جزر نائية في المحيط الهادي. وعلى الجانب الآخر، فشلت الولايات المتحدة في إقناع حليفتها الاستراتيجية، وهي المملكة المتحدة، بالوقوف ضد قيام الدولة الفلسطينية، وكانت جمهورية التشيك هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي قامت بذلك، وهو ما يعني أن إسرائيل قد أصبحت أكثر عزلة الآن مما كانت عليه قبل ذلك.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل العمل الذي قامت به الولايات المتحدة من أجل إسرائيل خلال هذا التصويت يعادل نفس العمل الذي كانت تقوم به في التصويتات السابقة؟ والإجابة بالطبع «لا»، ربما لأن الولايات المتحدة لم تكن تريد إهدار الوقت والطاقة من دون فائدة بعدما كان نصف القضية قد حسم عندما تقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بطلب للأمم المتحدة للتصويت على إقامة دولة فلسطينية وكان بحاجة إلى أغلبية بسيطة فقط، في حين تم حسم النصف الآخر من القضية خلال الهجوم العسكري الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة. ربما كان هناك دافع خفي في أذهان أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي، كأن يكون الهجوم على غزة بمثابة ورقة مساومة مقابل سحب فلسطين طلب الاعتراف من الأمم المتحدة، ولكن الضجة التي شهدها المجتمع الدولي دفعت الولايات المتحدة لإجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار مع حماس بعد الوساطة الناجحة من جانب مصر والمساعدة من جانب تركيا وقطر.

ويجب تسليط الضوء على مساهمة تركيا في اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، حيث لم يكن من قبيل الصدفة أن يكون وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أول من يهنئ الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد التصويت في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن يكون أول مكان يزوره عباس عقب خروجه من الأمم المتحدة هو البيت التركي في نيويورك الذي أعد له استقبالا حافلا.

ولطالما كانت تركيا تدعم حق الشعب الفلسطيني في الوجود، كما تؤيد حق إسرائيل في الوجود، ولكن يمكن أن يلاحظ المرء أن تركيا قد بذلت مجهودا أكبر للوقوف إلى جانب فلسطين هذه المرة، وهو ما قد يمكن أن يعود إلى الهجوم الإسرائيلي على السفينة التركية «مافي مرمرة» عام 2010 والذي أدى إلى مصرع 9 أتراك. وبسبب رفض إسرائيل تقديم اعتذار عن ذلك الهجوم، قطعت تركيا - التي كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل والدولة الإسلامية التي كانت تقيم أفضل علاقات مع إسرائيل - علاقاتها السياسية بتل أبيب. وثمة نتيجة أخرى لتصويت الأمم المتحدة تتمثل في عدم صحة الافتراض القائم على أن تركيا هي الطرف الخاسر دائما بسبب قطع العلاقات مع إسرائيل، لأن هذا التصويت قد أثبت أن إسرائيل تخسر هي الأخرى.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت» التركية