ندوة روما وإصلاح مفاهيم الإسلام

TT

أنا العبد الفقير، العاجز عن إصلاح نفسه وتقويم اعوجاجه، تلقيت مؤخرا دعوة لحضور ندوة مكثفة عن إصلاح الإسلام في العاصمة الإيطالية (7 - 8) ديسمبر (كانون الأول). وقد خطط لها وأشرف عليها الباحث البريطاني الدكتور ستيفن أولف. ويبدو أنه أحد كبار الاختصاصيين في شؤون العالم العربي الإسلامي. وقد فوجئت من خلال المراسلات بأنه يتقن العربية تماما. بل ويترجم نصوص المثقفين العرب إلى لغة شكسبير بانتظام. كم تشعر بالسعادة عندما تقع على مثقف أجنبي، غربي أو شرقي، يتقن لغة الضاد! إنك تشعر بأنك قد استرجعت قيمتك التاريخية أيام زمان. وتتذكر عندئذ أسلافك العظام إبان العصر الذهبي، عندما كانت العربية لغة العلم والفلسفة والعالم المتحضر، تماما كالإنجليزية اليوم. لقد أحسست بأن أسياد العالم المسيطرين منذ أربعمائة سنة بدأوا يستشعرون أهميتنا وقيمتنا ويحسبون لنا الحساب، حتى ولو لم يكن ذلك إلا على سبيل الافتراض الممكن والمستقبل المقبل. فالفضاء العربي بمشرقه ومغربه مرشح لأن يصبح نصف مليار شخص نحو عام 2050: أي غدا أو بعد غد، عندما يصبح عمري مائة سنة فقط. العالم العربي مليء بالإمكانيات الضخمة الكامنة في أحشائه، ولكن ما الذي سيحصل إذا ما تفتحت؟ أكبر ربيع في التاريخ سوف يطل على العالم عندئذ: ربيع الأخلاق والحب والحضارة الإنسانية في آن معا. ما معنى حضارة بلا أخلاق؟ بالطبع هذا لن يحصل قبل أن يستيقظ أهل الكهف من غفوتهم وينهض العرب من كبوتهم التي استمرت عدة قرون. صح النوم! وهنا تكمن في الواقع المهمة الأساسية للمؤتمر والمؤتمرين. بهذا المعنى فإن التنوير الفكري سوف يسبق الربيع السياسي الحقيقي المقبل. التحرير الفكري أولا! لا نستطيع أن نصنع المستقبل العربي بعقليات العصور الغابرة. هنا يكمن التناقض الأعظم «للربيع» الحالي. ولكن بما أن هذه العقليات لا تزال راسخة وتتمتع بمشروعية تاريخية وتعبئة جماهيرية ضخمة فإنه ينبغي الاشتباك معها بشكل أو بآخر. بمعنى آخر ينبغي نقدها وتفكيكها.

معظم مثقفي الغرب من أوروبيين وأميركيين يتوهمون أن الساحة العربية محتلة كليا من قبل الإخوان والسلفيين، وأنه لا وجود للمثقف العربي المسلم الليبرالي الحداثي. ولكن ما يحدث في مصر العظيمة الرائدة حاليا يبرهن على أن هذا التصور الذي نشرته وسائل الإعلام الغربية عنا كان خاطئا ومختل التوازن. وربما يكمن أحد أهداف المؤتمر في تفكيك هذه الصورة الكاريكاتيرية عن العرب والمسلمين. سوف نفعل ذلك أمام مثقفي الغرب الحاضرين والمشاركين. وسوف يندلع النقاش على هيئة حوار الثقافات لا صراع الحضارات. مللنا من هذا الطرح السقيم والخاطئ. تاريخ البشرية كله كان تاريخ تفاعل وتبادل بين الحضارات المختلفة، وبالأخص بين الحضارة الأوروبية والحضارة العربية الإسلامية.

المثقف التقليدي الأصولي موجود من دون شك وله احترامه ومشروعيته التاريخية، ولكن المثقف الإصلاحي التنويري موجود أيضا! والصراع مندلع الآن بين الطرفين في أرض الكنانة حيث سيحسم مصير العرب أو ما يدعى بـ«الربيع العربي» إلى حد كبير.

كل هذه التساؤلات سوف أحملها معي إلى روما غدا. وبالطبع من واجبي أن أمثل بين أيديكم فور عودتي لكي أقدم لكم تقريرا مفصلا عما جرى من مناقشات وأفكار. بقيت كلمة أخيرة، ولكن مهمة جدا، وهي أن كل المداخلات والمناقشات ستتم باللغة العربية لا الإنجليزية، كما تعودنا في كل مؤتمرات العالم! ومن لا يعرف لغتنا سوف يترجمون له. أليس هذا شيئا رائعا، خاصة أنه يحصل في قلب روما؟ بالأمس القريب افتتح الأمير خالد الفيصل المؤتمر الحادي عشر لمؤسسة الفكر العربي في دبي. وكان الشعار الجميل المطروح هو التالي: لننهض بلغتنا! وقد هاجم سموه، وبحق، تخاذل بعض المثقفين العرب عن دعم لغتهم العريقة وميلهم المتزايد لتفضيل الإنجليزية عليها. وقال أيضا: «إننا اليوم بصدد الخطر الأكبر على هذه اللغة في هذا الزمان. فهي تتعرض لهجمة غير مسبوقة في عقر دارها. وقد عقبت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة على كلامه قائلة: ينبغي على وزراء الثقافة العرب أن يدافعوا عن اللغة العربية مثلما يدافع وزراء الدفاع عن الأوطان. وقد صدقت. وهذا ما تفعله هي في الواقع من خلال موقعها الاستراتيجي على رأس وزارة الثقافة البحرينية.

نعم، إن اللغة العربية في خطر، وسوف تكون نهاية العرب والعروبة إذا ما حصل لها مكروه!