لبنان والهاوية السرية

TT

مسكين لبنان. حال لبنان السياسي إذا لم يكن يدعو للسخرية فهو حتما يدعو للشفقة. هناك طائفة سياسية كبيرة في لبنان لا تزال حتى الآن في حالة إنكار كامل من تداعيات الوضع في سوريا وعلامات انهيار نظام بشار الأسد بشكل واضح ومتسارع للغاية.

الفصيل الحاكم في لبنان كان يستمد شرعيته من دعم نظام بشار الأسد في دمشق عن طريق أجهزة مخابراته وأعوانه، التي جعلت من بعض الساسة في لبنان يقومون بتبديل مواقفهم كأنهم في سيرك كبير يتقلبون كالبهلوانات في استعراضاتهم.

إذا عطست سوريا، فمن المؤكد أن لبنان لن يصاب فقط بالزكام، ولكن من الأرجح أن يصاب بالالتهاب الرئوي، حزب الله لن يعود كما كان وسيفقد «الحبل السري» الذي كان يمنحه الشرعية والحضور على الساحة، ميشال عون سيختفي «داعم» حلمه بالوصول إلى سدة الرئاسة التي لأجلها «لحس» كل مواقفه العنترية ضد النظام السوري و«تغاضى» تماما عن جرائمه بحق بلاده وشعبه لأجل هدفه الشخصي.

وطبعا، هناك وليد جنبلاط الذي غير موقفه من الرئيس السوري وعاد معتذرا لدمشق، إنقاذا لحياته وحتى لا يتعرض أنصاره إلى مجزرة على يد أنصار بشار الأسد في لبنان بمواقعهم في الجبل.

خطوط التماس في لبنان تزداد سخونة، سواء أكان الحديث عن طرابلس أم صيدا أم حتى بيروت نفسها، وهي الآن مقسومة، وبشكل حاد وعنيف، بين مؤيدي بشار الأسد ومعارضيه. بات هذا هو «الهدف» الذي يلتقي عليه الداعمون والمعارضون. ولكن اللعبة في الملعب السوري تشير إلى أن النظام قد خسر أرضا وخسر شعبا وبسرعة الضوء.

هل يستمر لبنان السياسي عالة على شعبه وعلى العالم العربي حتى بعد سقوط النظام المجرم في دمشق؟ التحليل العقلاني للشأن السياسي في لبنان، أن كل فريق سيبحث له عن «كفيل» جديد ليستند عليه ويرتب له أموره واحتياجاته، كما جرت العادة.

الخيار «الشمشوني» في سوريا يزداد واقعية، النظام المجرم في دمشق يعد العدة والعتاد لحرق دمشق وتدميرها تماما، فهو قام بفصل الإنترنت وخدمات الاتصال عن كامل سوريا حتى يتمكن من إيصال الدبابات والصواريخ من مواقع مختلفة، وزرعها على رأس جبل قاسيون وفي أماكن مختلفة حول العاصمة، جميعها موجه على دمشق، ومجهزة بأقصى أنواع السلاح، ويديرها ماهر الأسد المسؤول عن الفرقة الرابعة، وهي التي يشار إليها عادة بأنها الفرقة الأكثر تجهيزا في الجيش السوري النظامي. وهذا الخيار قد يقدم عليه بعض الفصائل الداعمة لنظام بشار الأسد بالدخول في مهمة انتحارية عنترية وإطلاق صواريخ على إسرائيل لتجييش المشاعر والمواقف في الشارع العربي لصالح الأسد ونظامه المتهاوي.

لبنان مرشح لأن يكون فصلا ومشهدا دمويا بامتياز في ختام مسرحية حكم الأسد في سوريا، فهناك فصائل سياسية لديها الاستعداد الكامل لأن تكون قرابين جاهزة له، ومستعدة تماما أن ترفع شعارات زائفة وتردد أقاويل مضللة كما كانوا يفعلون قديما ولا يزالون.

لبنان يواجه اليوم أصواتا يقظة تناشد ضمير الشرفاء فيه أن يفيقوا ويفتحوا أعينهم ويروا جيدا ما فعله النظام المجرم ببلاده والمذلة التي تسبب فيها لبلادهم. قائمة طويلة من الأسماء التي راحت ضحية اغتيالات مرعبة، ناهيك بمسلسل سياسي بلا نهاية، فيه من الانكسار والانهزام الشيء الكثير جدا. لبنان كان تحت الأسر من مجرمي الأسد لأكثر من أربعة عقود، وفي بلد يتغنى بالحرية بات عليه أن يعرف أن هناك مواطنين منهم أدمنوا العبودية وعشقوها، وبسبب هذا الإدمان القاتل سيذهب البلد إلى الهاوية السحيقة، ولكن دائما الفاتورة في لبنان يدفعها الآخرون. الثورة السورية، وتداعيات سقوط النظام السوري الوشيك، ستكون صادمة ومذهلة على الصعيد اللبناني، وخصوصا للمنكرين منهم هناك. ترقبوا!

[email protected]