من مقالب البطاقات

TT

البطاقات، أو الكارتات تحيي وتميت في دنيا السياسة والأعمال حسب ما يسطر عليها.. وكان أن هزت أعصاب السير أوستن تشامبرلين، رئيس الوزراء البريطاني الذي كان رجلا طيب القلب، حسن النية، بسيط الطوية، على خلاف أكثرية رجال السياسة وما تفرضه الظروف السياسية.. ولهذا تعثر كثيرا في قيامه بمسؤولياته. ومن مصائب هذا النوع من الرجال أن سوء المصادفات كثيرا ما يطاردهم في حياتهم، وهذا ما نستشفه من هذه الرواية التي رواها اللورد بيفربروك في كتابه «تدهور وسقوط لويد جورج»..

كان من المعتاد لقادة حزب المحافظين أن يلتقوا مساء كل يوم أحد لتناول العشاء في بيت السيدة غرفيل، التي كانت امرأة غنية وكريمة وذكية ومثقفة جدا، وهو ما لا أستطيع أن أقوله عن أكثر أغنيائنا، ولكنها كانت أيضا سليطة اللسان وهو ما أستطيع أن أقوله عن معظم زوجات أغنيائنا.

كان بين الحاضرين في إحدى ولائمها، أوستن تشامبرلين، وكان عندئذ وزيرا للمالية. وكانت وليمة فاخرة غصت بشتى أنواع المأكولات والمشروبات النفيسة من كل ما لذ وطاب، وتألقت بأطباقها الفضية وشمعداناتها الذهبية المتألقة.. طاف حولها الخدم والندل يحملون الصينيات وقناني المشروبات، وكل شيء حسب توجيهات رئيس الخدم الذي كان لا يقصر في احتساء كل ما يتركه السادة في أقداحهم على عادة الخدم.. وهكذا أصبح من المدمنين على الخمرة بفضل كرمهم وتبذيرهم.

وعند انتهاء الوليمة، انطلق الضيوف بالحديث وسرد الحكايات والطرائف والتعليق على الأحداث الجارية، وكان همهم أن يستدرجوا وزير المالية لقول أي شيء يتعلق بالاقتصاد والضرائب وأسعار الفائدة، ونحو ذلك من مسؤوليات وزارته. ولكنه بالطبع تحاشى ذلك، ونقل كلامه إلى الحديث عن المشكلة الآيرلندية وأخطارها ومشكلات الهند، مما يقع خارج اختصاصه.. ثم انتقل لموضوع الإمبراطورية البريطانية وفضلها على المجتمع الدولي وشعوب العالم.

ما إن دخل في هذا الموضوع حتى لاحظ الضيوف أن السيدة المضيفة، السيدة غرفيل، تناولت بطاقة وأخذت تكتب عليها شيئا، ثم وضعت البطاقة على طبق فضي وسلمته لرئيس الخدم. وكان ما كتبته عليها ملاحظة لرئيس الخدم تقول له: «إنك سكران.. اترك الغرفة فورا».

ولكنه، كأي خادم مؤدب، لم ينظر ويقرأ ما كتبته سيدته على البطاقة، بل حمل الطبق الفضي الصغير الذي كانت عليه ووضعه أمام المتحدث في الجلسة، وزير المالية، أثناء استرساله في حديثه عن عظمة الإمبراطورية البريطانية ومنجزاتها.

ألقى نظرة على الصحن الفضي الصغير وقرأ ما كتبته السيدة غرفيل على البطاقة: «أنت سكرت! أحسن لك اترك الغرفة!». امتقع لونه خجلا، وهو ما لا يحصل - كما أعتقد - لكثير من المسؤولين الفاسدين عندنا في العراق. ارتبك ثم وقف واستأذن بالانصراف وترك الغرفة.