ملكة.. وتحب التفاصيل!

TT

رغم أن لديها طاقم ضيافة محترفا يقدم دوراته التدريبية لأرقى المطاعم والفنادق الكبرى في إنجلترا، فإن ملكة بريطانيا إليزابيث أبت إلا أن تعود لفطرتها النسائية، وهي «حب التفاصيل»، وذلك حينما كانت تستعد لاستقبال أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في حفل عشاء كبير أقيم على شرفه في قلعة وندسور العريقة، على هامش زيارة دولة يقوم بها، فبدأت إليزابيث تشرف بنفسها على ترتيبات العشاء الملكي لتتأكد من تفاصيل الاستعدادات، بما في ذلك مكان جلوس كل شخص من كبار المسؤولين والدبلوماسيين على المائدة الطويلة التي تتسع لـ170 مقعدا، واطمأنت على أن توزيع باقات الزهور على جانبي الطاولة كان يتسم بحسن الترتيب والجمال، وتفقدت أيضا بنفسها الطاقم الخاص بخدمة الضيافة خلال المأدبة، حسبما ذكرت مسؤولة الإعلام في القلعة.

ورغم أن هذه الملكة، التي ناهز عمرها الخامسة والثمانين عاما وتحكم منذ خمسين عاما بلدا اعتاد على الأعراف والتقاليد الملكية الراسخة منذ ألف عام، فإنها ما زالت تمارس فطرتها مثل ملايين النساء حول العالم. وهذا ليس عيبا في المرأة أيا كان منصبها في المجتمع، فهي تمارس دورا مهما وهو التأكد من التفاصيل؛ لأن أحدا ما لا بد أن يقوم بهذا الدور، وإلا افتقرت احتفالاتنا وخدماتنا ومنتجاتنا للجودة والإتقان.

وهناك أسباب علمية تدفع المرأة إلى الاهتمام بالتفاصيل، مثل ميولها الأنثوية وموجات الفضول التي تجتاحها، والضيق الذي ينتابها حينما تشعر بأن محدثها أو زوجها يخفي عنها معلومة ما، فتنهال عليه بوابل من الأسئلة إلى أن تصل إلى أدق التفاصيل حتى ترتاح! وهذا يفسر سبب ما يشعر به الرجل حينما يحاول أن يجيب باقتضاب عن سؤال مفتوح وجهته إليه إحدى قريباته لمعرفة تفاصيل ما شاهد في حفل زفاف حضره، الذي لن تكتفي فيه السائلة بإجاباته «الدبلوماسية» حتى تغوص معه في التفاصيل، التي لا يطيقها الرجل بطبعه الميال إلى «زبدة الموضوع».

كما أن المناطق المسؤولة عن العاطفة في دماغ المرأة أضعاف تلك الموجودة في دماغ الرجل، وهو ما يثير لديها اهتماما ملحوظا، وربما مبالغا فيه، بآراء الناس، الأمر الذي ينعكس على سلوكها في العناية بتفاصيل شكلها وهندامها وحذائها، ولذا فهي تستغرق وقتا طويلا أمام المرآة قبل خروجها من المنزل.

ونظرا لقدرات النساء البارزة في ملاحظة التفاصيل، فإن كثيرا منهن يعملن خلف الأجهزة الكاشفة لأمتعة الركاب في المطارات. ولاحظ العلماء أن المرأة لديها مستودع كبير من الذاكرة التي تخزن ذكريات ما شاهدته، فما سبق أن رأته، مثلا، في جهاز الكاشف من قطع أو أشياء ممنوعة تستطيع أن تتذكره بسهولة! والأمر ينطبق على تذكرها لتفاصيل وجه وشكل النادل في مطعم ما الذي أشرف على خدمتها، حتى ولو حدث ذلك قبل مدة زمنية طويلة، فيما قد ينساه الرجل بعيد فراغه من تناول وجبة الطعام!

ليس هذا فحسب، بل ألاحظ شخصيا في الندوات العامة التي أقدمها حينما يتم توزيع أوراق تمرين «الملاحظة» على الحضور ونطلب منهم تدوين كل ما يشاهدون في القاعة خلال دقيقة، نجد أن قوائم النساء أطول بكثير مما كتبه الرجال، وقد لاحظت في أكثر من دولة أنهن يلاحظن أدق التفاصيل التي لم ينتبه إليها الرجل.

حب المرأة للتفاصيل ليس نقيصة فيها، بل هو ميزة يجب أن يستفيد منها من يصادق أو يعيش أو يعمل مع المرأة. فهذه المهارات لا شك أنها مفيدة لأي فريق عمل؛ لأن ملاحظاتها إن أخذت بعين الاعتبار ستشكل بصمة في المنتج أو الخدمة النهائية قد لا ينتبه إليها معشر الرجال؛ ولذا فإن «المرأة خلقت مختلفة عن الرجل لتكمله».

ولنتذكر دوما أن المرأة، سواء كانت ملكة على شعبها أو ملكة في بيتها، ستحرص دوما على ملاحظة التفاصيل، وهذا ما يجعلها ذات قيمة مضافة لأي فريق عمل منصف.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]