الاختلاف مع أفلاطون

TT

هل لهذه الذات البسيطة أن تختلف مع أفلاطون؟ مرة واحدة، أفلاطون؟ وإذا حدثت مخالفة فما هذه الجرأة على إعلانه؟ يا سيدي، ما يخالف. حاول. كان يقول غفر الله له، ولزميلنا العزيز تركي الدخيل صاحب زاوية «قال أبو عبد الله غفر الله له»، إن الفن شيء لا قيمة له. مجرد نقل عن الحقيقة. أيهما أفضل للإنسان، شجرة على لوحة على جدار؟ أم شجرة (لوز مثلا) عند جدار الحديقة؟ لا تحاول أن تسأل إخواننا في المغرب. فعندهم أن فوائد اللوز (في البساتين ثم في المعاصر) تبدأ من واحد إلى مائة. هم يكتفون بالفائدة الأولى، وما يتبع لزوم ما لا يلزم. وصحة وعافية، في كل الأحوال.

معلمنا أرسطو كان أكثر ترفقا بالفن من معلمنا أفلاطون. قال صحيح إنه خداع وتقليد ومحاكات، لكنه ليس دون فائدة كما يشطح أفلاطون. فائدته الكبرى في ترويض النفس وتحريك المشاعر. رسم الشجرة بألوانها باق مع الفصول. أخضر جميل، وثماره متدلية مثل تفاحة نهلت كل خصوبة الأرض وألوان الشمس.

انتبهوا للشمس. إنها مثل ميزان الوجود، قليلها مؤذ، وكثيرها مضر. لذلك جعلتها حكمة الخالق تظهر وتغيب. وحيث يطول ظهورها في أطراف اسكندنافيا وفوق بطرسبرغ، تفور أعصاب الناس ويكتئبون، تماما كما يكتئب الناس حيث، أو حين، يطول غيابها.

عليك بالتوازن، مثل سقراط، الذي وافق تلميذه أفلاطون على أن الفن محاكاة، وخالف في أن لا فائدة منه. لو عاش المعلمان في هذا العصر، لبلغهما أن للفن فائدة أخرى: رسم «تفاحة» سيزان يباع عشرين - على الأقل - مليون مرة ثمن التفاحة التي نقل رسمها في جنوب فرنسا. لذلك قال نيتشه، إن الترجمة أهم من الحقيقة أو الأصل. وكان سيزان يقول: «سوف أبهر باريس بتفاحة». وقد أبهر معها الفن الانطباعي. لقد تطلع إلى شجرته على أنه «ترجمة» لها وليست نقلا: «أتسمر وأنا أنظر إليها، ويخيل إليّ أنني أرى العصارة في جذعها والطين الذي تغرق فيه جذورها».

ظلمت زوجتي في أمور كثيرة خلال ما يزيد على أربعة عقود. وأفدح أنواع الظلم أنها رسامة قديرة وأنا أمنعها من عرض لوحاتها، خوفا من أن يفسر العرض على أنه استغلال لاسم الزوج. لكننا نزين بالرسومات بيتنا ونهدي منها العائلات والأصدقاء. وكل ما طلبته منها من رسوم، كبيرة أو صغيرة، محصور في مناظر قريتي وصورة منزلنا على تلالها. وتبدو ترجمتها للبيت أجمل منه في الحقيقة. هي بركته الطيبة ودفؤه كل الفصول.