روسيا تصل للمياه الدافئة عبر تركيا

TT

ابتكر القيصر الروسي نيكولاس الأول تعبير «رجل أوروبا المريض» لوصف الإمبراطورية العثمانية المتداعية قبيل اندلاع حرب القرم في عام 1853، حيث اعتمدت روسيا مبدأ الوصول إلى «المياه الدافئة» كسياسة استراتيجية للإمبراطورية الروسية على مدار قرن كامل قبل عهد بطرس الأكبر، بينما اتبع جوزيف ستالين الاستراتيجية ذاتها أثناء الحقبة السوفياتية. يعتبر هذا هو السبب الرئيسي وراء اعتبار المضايق التركية والحدود التركية السوفياتية (بداية من الممرات الشمالية والشرقية والجنوبية وصولا إلى البحر المتوسط) نقطة استراتيجية رئيسية للدفاعات الغربية عقب انضمام تركيا لحلف شمال الأطلسي. يمكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتبار نفسه خليفة لسياسة القيصر بطرس الأكبر في الوصول إلى المياه الدافئة - ألا وهي مياه البحر المتوسط - ولكن ليس عن طريق الحرب وإنما من خلال المزيد من التعاون التجاري. ربما ستفقد روسيا قاعدتها البحرية في ميناء طرطوس السوري عقب انهيار نظام الرئيس بشار الأسد، ولكنها ستكسب العديد من المنافذ البحرية القيمة على الأسواق الجنوبية من خلال التعاون مع تركيا.

اشترك كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومضيفه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في وصف زيارة بوتين لإسطنبول بـ«الاستراتيجية»، وهو ما يعني شيئا ما لرئيس وزراء الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي. ففي الوقت الذي عقد فيه الزعيمان اجتماعهما على ضفاف مضيق البوسفور في إسطنبول، كان إيريك روبن، نائب وزيرة الخارجية الأميركية، يصرح للصحافيين من مدينة أضنة - التي تستضيف واحدة من أكبر قواعد حلف شمال الأطلسي على الأرض - أن بلاده ملتزمة بأمن تركيا.

قام أردوغان وبوتين بتوقيع 11 اتفاقية تعاون مشترك، بداية من افتتاح بيوت ثقافية في كلا البلدين وحتى مشروع إنشاء محطة للطاقة النووية في أكويو على ساحل البحر المتوسط بتكلفة تصل إلى 20 مليار دولار. أكد أردوغان أن كلا البلدين يستهدفان رفع قيمة تجارتهما المشتركة لتتجاوز حاجز 100 مليار دولار سنويا - مقارنة بنحو 40 مليارا في الوقت الراهن - على مدار الأعوام السبعة أو الثمانية المقبلة. وتعتبر روسيا بالفعل الشريك التجاري الأول لتركيا (ولكن الاتحاد الأوروبي يأتي في المرتبة الأولى إذا ما تم اعتباره كيانا واحدا)، حيث يعد النفط والغاز الروسيان أهم بنود التجارة المشتركة بين البلدين. تعتمد تركيا على الغاز الروسي في توليد الكهرباء بصورة أكبر من الروس أنفسهم، وربما يزيد هذا الاعتماد بصورة أكبر نظرا للعقوبات المفروضة على إيران، حيث تتطلع تركيا للنفط والغاز الروسيين لتعويض انخفاض معدل وارداتها من إيران على مدار أشهر الشتاء.

ومع توافد ما يقارب 4 ملايين سائح روسي سنويا إلى المنتجعات التركية الواقعة على البحر المتوسط، وفي ظل التزايد المستمر للزيجات التركية الروسية، تجعل هذه العلاقات طويلة المدى الاختلافات الموجودة بين الدولتين بشأن سوريا، على سبيل المثال، أصغر مما هي عليه في الواقع. فللمرة الأولى، كان بوتين واضحا للغاية في التأكيد على أن روسيا ليست من بين المدافعين عن بقاء النظام السوري، لذا يمكن للمرء أن يتوقع سقوطا أسرع لنظام دمشق عقب تلك الكلمات.

تنصب روح التعاون التركية - الروسية الجديدة على مجال التجارة وتنحية جميع المسائل الخلافية جانبا، كي يقوم الدبلوماسيون بالتعامل معها في وقت لاحق. ربما لا يكون الشعار الجديد «اصنع حربا» بل «اصنع تجارة».

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت» التركية