سائق التاكسي المصري

TT

خالد، صديق مصري، يعمل سائق تاكسي في القاهرة، أعرفه منذ سنوات، ليس له هم من الدنيا إلا إتقان التعرف على دروب القاهرة من أجل خدمة زبائنه، لا يتحدث في السياسة أو ما يمت لها بصلة إلا على سبيل المجاملة لمن معه، ومنهم أنا.

كان هذا حال خالد إلى أن اندلعت التوترات التي أدت إلى سقوط نظام مبارك. كان خالد مثل غيره من ملايين المصريين مبتهجا بسقوط نظام مبارك، ولا أقول كل المصريين، لكن هذه البهجة، بحسه العامي الفطري، كانت تخفي شيئا من القلق من المستقبل، خصوصا أن من كانوا يبزغون من نجوم في سماء المشهد السياسي الجديد أغلبهم غير معروفين له، هو لم يعرف إلا طنطاوي وعنان وشفيق وعمرو موسى فقط، والبقية مجاهيل، بمن فيهم محمد مرسي، لاحقا، ومثله حمدين صباحي وأبو الفتوح، وربما حتى البرادعي الذي لم يسمع خالد باسمه إلا بشكل مشوش، فلم يكن يعرف على وجه الدقة هل هو رجل أعمال مشهور، أم منتج سينمائي، أم مجرد أكاديمي مصري حاصل على جنسية دولة أوروبية ومقيم بها!

مضت الأحداث بشكل متسارع، خصوصا بعد خطاب مبارك الأخير الذي توقع خالد أنه سينهي الأزمة، ويكفي ما تعهد به مبارك خلاله من عدم التجديد لنفسه في الرئاسة والتعهد بعدم التوريث لابنه، والتعهد بتعديل المواد الدستورية التي تغضب القوى السياسية المعارضة. كان خالد متفائلا ويعتقد أنه قد انتهت الأزمة إلى هنا وفرجت، وحان وقت الشغل والعمل، لكن بعد موقعة الجمل تماهى خالد مع مطالب الميدان بخلع مبارك، ثم تولي المجلس العسكري، ورأى خالد أن المجلس العسكري «هيلم» البلد، والجيش «جامد».

بعد فوز مرسي في جولة الإعادة ضد شفيق - وهو أمر أغضب خالد، الذي عاد لتوه من رحلة حج وعمرة للمرة الأولى في حياته، وهو رجل متدين بشكل مصري تلقائي - تملك خالد القلق على مصير مصر، خصوصا قطاع السياحة، حيث يقوم عمله الرئيسي على مدى حيوية هذا القطاع ونشاطه.

وصل غضب خالد إلى أقصاه بعد مواجهات الرئيس الإخواني مرسي للقضاء المصري، التي بدأت بعزل النائب العام، ثم الإعلان الرئاسي الدستوري، وتصل لقمة الاعتداء بحصار ميليشيا محسوبة على «الإخوان» للمحكمة الدستورية العليا، وتصل الأمور إلى الدرجة، أو الدركة، السفلى بمعارك الشارع والميليشيات الدائرة الآن في ميادين مصر.

خالد، سائق التاكسي - الذي عنده 4 أولاد، صبيان وبنتان، وأم عليلة معتمدة عليه، وكان يجري «جري الوحوش» ليحوز قوته وقوت من يعول، ولا ترف لديه للاهتمام بغير هذا الأمر - يوشك هذه الأيام على الانتهاء من قراءة كتاب للباحث ثروت الخرباوي، وهو قيادي إخواني سابق، خرج من الجماعة ناقدا لها، وقرر تقديم شهادته عليها وعنها.

مثل خالد كثير، ممن ستجبرهم الأحداث على نفض غبار الجهل أو عدم الاهتمام، والتعرف على تاريخ وأدبيات ومعارك «الإخوان المسلمين»، وهذا في نظري هو المكسب الأكبر مما يجري، من أجل تنوير الوعي العمومي لدى الجمهور.

نعم سيأخذ الأمر وقتا وربما جيلا، لكن هذا هو المفتاح الحقيقي للتغيير: الوعي. فجانب كبير من مصيبتنا هو جهل غالب الصحافيين والساسة - فضلا عن سائقي التاكسي طبعا - بحقيقة الأزمة الفكرية والوجودية، التي تعطل المسلمين والعرب، ومن أعظم تجسيدات هذه الأزمة جماعة الإخوان المسلمين، فكرا وتاريخا وخطابا وممارسة.

ربما يكون ما نشهد بداية زوال السحر الإخواني.

[email protected]