معركة دمشق الكبرى وجيب الساحل

TT

لا تزال السلطة تكابر بوجودها في مناطق مختلفة، إلا أنها ستضطر إلى الانسحاب القسري الشامل تحت وطأة هجمات الثوار المحلية، والضغط الشديد على مدينة دمشق وضواحيها. وبدت ملامح حتمية الانسحاب واضحة مما ينشر من تقارير عن تحريك أربع فرق قتالية إلى العاصمة، بينما كانت المسؤولية محددة بالفرقة الرابعة ووحدات الحرس الجمهوري وقوات المرتزقة «الشبيحة» حصرا، لضعف الثقة بقوات الجيش من خارج دائرة الولاء المعروف.

من علامات التطور الكبير: فقدان السيطرة الشاملة على المنافذ الحدودية بكل مدلولاتها السيادية والأمنية، والانسحاب من مواقع استراتيجية، والفشل الذريع في إعادة السيطرة على المناطق المحررة من محافظة حلب، التي أطلقت السلطة عملية واسعة قبل أربعة أشهر متوعدة باستعادتها خلال 48 ساعة، وسيطرة الثوار على مطارات عدة وكتائب وحدات دفاع جوي يفترض حرص السلطة عليها لمجابهة احتمالات فرض حظر جوي، وعودة الاشتباكات على نطاق واسع في دمشق، وتهديد مطار دمشق الدولي، وتوالي إسقاط الثوار للطائرات المقاتلة وطائرات الهليكوبتر. وهذه كلها دلائل قوية تشير إلى أن الحسم بات أقرب مما كان متوقعا، رغم كثافة التعزيزات الروسية والإيرانية ومن جنوب لبنان.

ومن علامات التطور أيضا: توحد المجالس العسكرية، وخضوع المعارضة الخارجية لمنطق الثورة الداخلية، وتزايد الدعم الخارجي للمعارضة وللثوار، وتضاؤل تدفق اللاجئين نسبيا إلى دول الجوار بسبب توسع نطاق المناطق المحررة، وتجاوز الثوار مرحلة النقص في السلاح والعتاد ونفاد الذخيرة في ساعات الاشتباك الحادة، وتراجع عنتريات السلطة الإعلامية، وغياب صوت وزارة الخارجية ومؤتمرات كذبها إلا في حالات قليلة، وبقاء وسائل الإعلام العربي والدولي المساند للثورة على مواقفها بلا تراجع، واستمرار صقور التأييد العربي والتركي - على قلتهم - ثابتين في موقفهم المساند القوي. ويضاف أيضا رجحان سيطرة القيادات العسكرية والثورية الملتزمة بالمعايير الدولية، على «الجيش الحر» والكتائب القتالية، وهو عامل مهم لتقليل الهواجس الخارجية الخائفة من انزلاق الثورة إلى التطرف.

ووفقا للحسابات العسكرية، قطعت الثورة شوطا كبيرا في تحقيق المكاسب على الأرض، وانتزعت المبادأة، وهي مبدأ حاسم من مبادئ الحرب. وما يجري الآن يمثل الصفحة التمهيدية من معركة دمشق الكبرى، بهدف السيطرة على المقتربات المؤدية إلى العاصمة، لتأمين تدفق مواد تموين القتال لقوات اقتحام دمشق، ولقطع هذا النوع من المواد التي ترد إلى قوات السلطة من ثلاثة اتجاهات هي: منطقة الساحل، حيث تزايدت مخاطر التنقل على طريق حمص، واتجاه لبنان، والمطار الدولي. وبذلك، تتسع السيطرة الثورية على المعركة، فتصبح السلطة أمام خيارين؛ الانتحار بقبول المجابهة في العاصمة، أو الهرب إلى الساحل لتشكيل دويلة يستحيل وقوفها أمام إرادة الأمة السورية.

وفي ضوء هذه القراءة لحالة الصراع، من المفترض، إن لم يكن من المحتم، تخفيف الثوار لثقلهم في المناطق البعيدة وتركيز النشاطات التحريرية على محيط دمشق وقلبها، مما يعجل في سحب قوات السلطة من تلك المناطق وتشكيل إدارات مدنية، من مصلحة جميع الثوار أن تأخذ صفة بعيدة عن التطرف، والحرص على إحكام السيطرة على خطوط الإمداد، وتعزيز إرادة سكان قلب دمشق وإمدادهم بمقومات الدفاع، وإدامة زخم المكتسبات الميدانية بلا توقف، ووضع الخطط اللازمة للتعامل مع مخزون أسلحة الدمار الشامل وفقا للمعايير والهواجس الدولية، وضرورة تسريع إعلان حكومة مؤقتة يكون نصفها على الأقل لثوار الداخل، لأن المرحلة الأولى ستكون مرحلة فرض الأمن التي لا يقدر عليها التكنوقراط، في غياب تام لأي وجود لقوات دولية، عدا ما سيتحرك لضمان السيطرة على أسلحة الدمار الشامل.

إن تحريك الفرق الأربع إلى دمشق يدل - إذا ما تأكدت التقارير - على رغبة السلطة في قبول المعركة الفاصلة النهائية في نطاقها المركزي، فتخسر القدرة على تشكيل دويلة الساحل، لأن معظم أبناء الساحل جرى توريطهم في معركة دمشق، أو أن يجري تحريك وحدات من الفرقة الرابعة، التي معظم عناصرها من أبناء الساحل، إلى مناطق اللاذقية – طرطوس، ليكون الحسم النهائي هناك. ومن المفترض انحياز أهل الساحل إلى جانب الثورة، وفي هذه الحالة تنهار قدرة السلطة في دمشق بسرعة. وهكذا، أصبح مصير الصراع محسوما لصالح الثورة، ولا مجال للتكهنات العبثية. وهذه فرصة ذهبية نهائية لكل القوى المترددة للانحياز إلى الثورة.