جودة العمل الطبي.. والتوتر النفسي

TT

أعادت دراسة حديثة للباحثين من جامعة جورج واشنطن إثارة موضوع تأثيرات الضغط المهني على العاملين في أوساط المستشفيات. وكانت المجلة الأميركية للطب الصناعي (American Journal of Industrial Medicine) قد نشرت في عددها بتاريخ 27 سبتمبر (أيلول) الماضي نتائج دراسة تأثيرات الصراع النفسي بين متطلبات العمل الطبي ومتطلبات الواجبات والأعباء الأسرية والمنزلية (work–family conflict).

ولدى متابعة نحو 1200 من العاملين الصحيين في منشأتين صحيتين أكاديميتين بالولايات المتحدة، ولمدة ثلاثة أشهر، تبين أن معايشة مستويات عالية من الصراع النفسي بين متطلبات العمل الطبي ومتطلبات الواجبات الأسرية والمنزلية مرتبط بارتفاع معدلات الشكوى من آلام في المفاصل والعضلات بشكل مؤثر ومزعج ومؤلم. وكان الباحثون قد أفادوا في مقدمة الدراسة بأن ثمة مؤشرات علمية تؤكد أن معايشة ذلك الصراع هو عامل خطورة مهم على صحة العاملين ورفاهيتهم.

وعلق الدكتور سوب كيم سونغ، الباحث الرئيسي بالدراسة والمتخصص في مجال الصحة البيئية والمهنية، بالقول: «الصراع بين العمل والأسرة سبب لتشتيت جهود العاملين بالمستشفيات وأيضا سبب لتوترهم وإجهادهم. والمستشفيات التي تعتمد سياسات عمل تطويرية للحد من ذلك الصراع ستجني مجموعة من المزايا، منها توفير أجواء أكثر إنتاجية للعاملين وتقليل تباطؤ العامل بفعل الأوجاع والآلام المزمنة لدى العاملين. وعلى مديري المستشفيات تقييم ظروف العمل للعاملين لديهم لتقليل مستويات معايشة العاملين لذلك الصراع بين متطلبات أسرهم ومتطلبات عملهم، وهو ما سيعود بالنفع ليس فقط على العاملين أنفسهم، بل أيضا على المرضى وأفراد أسر العاملين.

وكان تقرير وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بالولايات المتحدة الصادر في يوليو (تموز) 2008 بالتعاون ما بين مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) والمعهد الوطني للسلامة والصحة المهنية (NIOSH)، قد أشار في مقدمته إلى أن الضغط المهني لا يزال منذ فترة طويلة مصدر قلق لصناعة الرعاية الصحية، وأن الدراسات تشير إلى أن العاملين في مجال الرعاية الصحية لديهم معدلات أعلى في الإدمان والانتحار وارتفاع في معدلات الاكتئاب والقلق المرتبط بضغوط العمل، وذلك بالمقارنة مع العاملين في المهن الأخرى.

وأشار التقرير أيضا إلى أنه وبالإضافة إلى الضغوط النفسية ثمة نتائج أخرى لضغوط العمل، منها الإرهاق والتغيب والعزم على ترك الوظيفة وانخفاض مستوى الرضا عن النفس، إضافة إلى انخفاض رضا المرضى عن أداء العاملين الطبيين وارتفاع حالات الخطأ في تشخيصهم لأمراض المرضى أو في معالجتهم. وذكر التقرير مجموعة من الأهداف لصياغته، ومنها تحديد مصادر الإجهاد المهني للعاملين الطبيين والآثار الصحية الضارة عليهم نتيجة الإجهاد المهني والتوصيات المتعلقة بالعمل على الحد من مستوياته العالية لديهم.

وكان المعهد الوطني للسلامة والصحة المهنية قد حدد تعريف الإجهاد المهني (occupational stress) بأنه: «التفاعلات والمردودات الضارة بدنيا وعاطفيا التي تحصل حينما تكون متطلبات العمل الوظيفي لا تتوافق مع أي من قدرات أو براعة أو احتياجات الشخص العامل». وساق التقرير جملة من العوامل المتسببة في الإجهاد المهني لدى العاملين الطبيين، منها متطلبات العمل لأوقات إضافية أو طويلة، وغموض تحديد مهام الوصف الوظيفي أو الدور المطلوب من العامل الطبي، ووجود مناخ ضعيف لتنظيم العمل وتوزيع الأدوار بين العاملين الطبيين، وتعارض متطلبات أداء العمل مع احتياجات الأسرة، وتدني فرص الرقي الوظيفي، ونقص عدد العاملين، واحتمالات التعرض لمخاطر الإصابات بالعدوى الميكروبية أو التعاطي مع المواد الكيميائية أو الإشعاعية الضارة وغيرها.

إن إنتاج نوعية من العمل الصحي تتميز بالجودة في خدمة المرضى وتوفير سلامتهم ليس صعبا أو متطلبا لجهود خارقة أو معجزات، لأنه بالأصل يعتمد على استمرار توفير مجموعة من العوامل والظروف التي تخدم ذلك الهدف، وخصوصا تلك المتعلقة بالعاملين الطبيين وظروف تقديمهم لخدمات المرضى الصحية ومدى توفر استمرارية قدراتهم. وبرامج الجودة وسلامة المرضى وشهادات اعتماد المنشآت الصحية، سواء المحلية أو العالمية، في هذا الشأن تتبنى متابعة توفر تطبيق المنشآت الصحية لعدد من المعايير.

وكما هو معلوم، فإن تعريف المعيار هو جملة مختصرة (statement) لوصف حالة من السلامة والجودة المتوقع توفرها. وتنقسم المعايير ضمن ثلاثة مجالات لتكوين التفاعل المطلوب في إنتاج خدمة للمريض تتميز بالجودة في الأداء والحفاظ على السلامة له وللعاملين الطبيين، المجال الأول هو ما «يدخل» (input) من الموارد، والمجال الثاني هو «عملية التفاعل» (process) للأنشطة ما بين الموارد، والمجال الثالث هو «المخرجات» (outcome) على هيئة النتائج (results).

ومتى ما توفرت ظروف عمل تضمن استمرار كفاءة العاملين الطبيين في أداء أعملهم، ساهمنا في توفير عناصر مهمة ولازمة للحصول على تقديم خدمة أفضل للمرضى وضمنا استمرارية تقديم العاملين الطبيين لما هو مطلوب منهم في الوقت الصحيح وبالطريقة الصحيحة وفي كل مرة.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]