الصدق والوفاء بالعهد في بر مصر

TT

آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا عاهد أخلف، وإذا اؤتمن خان.

تذكرت الحديث الشريف أثناء إعداد المقال أمام خلفية ما يدور في ميدان التحرير، وشوارع القاهرة، والمحلة التي فجرت شرارة الثورة قبل أربع سنوات، والإسكندرية التي قدمت أول الشهداء، والسويس البطلة، وكل مدينة وقرية وكفر ونجع في وادي النيل.

التاريخ يحمل مصر، مرة أخرى، أعباء مسؤولية كانت ولا تزال قدرها الدائم كواجب نحو العرب والمسلمين. قدر مصر عبر القرون أن تشهد معارك حولت مجرى التاريخ في الدفاع عن شعلة النور ضد قوى الظلام: في العلمين، والمنصورة، وعين جالوت.

في الحرب العالمية الثانية التي بدأها المنافق هتلر بكذبته الكبرى على الشعب الألماني لينتخبه بالأغلبية، ثم يخون ما اؤتمن عليه، ليخلف العهد موجها جحافل الظلام تدمر أوروبا وتجتاح الشمال الأفريقي، حتى هدى الله قوى الخير للتجمع في مصر لتحسم في العلمين معركة وصفها زعيم العالم الحر وقتها السير ونستون تشرشيل بـ«نهاية البداية» لقوى الظلام.

قبلها بثمانية قرون شهدت الدلتا المصرية انكسار شوكة الحملة الصليبية السابعة ليسقط لويس التاسع ملك فرنسا أسيرا في أيدي المصريين (مارس «آذار» 1250). وبعدها بعشر سنوات زحفت جحافل المغول، التي خربت إمبراطورية العباسيين وأسرت أمراءهم، كطوفان همجي يبتلع إنجازات الإنسانية حتى خرجت مصر لملاقاتهم عند عين جالوت ليقطع سيف الأمير الشهيد فخر الدين رأس قائدها كتبغا، لتنقذ مصر مرة أخرى حضارة الشرق.

اليوم يعيد التاريخ نفسه ليسلم رايات الخير للأغلبية الطيبة من المصريين لترفعها في مواجهة أعلام الكراهية والتخلف.

مصر اليوم يا سادة تخوض معركة تاريخية ضد قوى الفاشية والظلام نيابة عن أنصار الحرية والتقدم بين العرب والمسلمين.

تراجع مصر اليوم أمام قوى الظلام الفاشية بزعامة المنافقين تعني العودة بالعرب قرنين إلى الوراء، وبالمسلمين إلى الهمجية التي أوقفتها مصر في عين جالوت. إذا لم تنتصر مصر اليوم فالخطورة أن تعلو رايات الإرهاب فوق مآذن القاهرة محاصرة الأزهر الشريف الذي خرج منه رواد عصر التنوير كرفاعة الطهطاوي وعلي مبارك والشيخ محمد عبده.

تذكرت العلامات الثلاث للنفاق في تأملي لشريط الأحداث المخضب بدماء شهداء ثورة اللوتس المصرية. فالإخوان كذبوا على المسلمين قاطبة قبل أن يكذبوا على المصريين. تعاهدوا مع المجلس العسكري والقوى الوطنية بعدم ترشيح أحد روبوتاتهم لرئاسة الدولة حرصا على وحدة الأمة من الانشقاق، ليكون الرئيس رمزا لوحدة الوطن في منصب غير مسيَّس يوحد ولا يفرق. ويبدو أن جينات النفاق في التركيبة الوراثية أدت إلى مخالفة العهد فور لقاء السفيرة الأميركية بالمرشد ليضع مكتبه من يحركون خيوطه رئيسا ليصبح أكبر مصدر تفرقة بين المصريين في تاريخهم.

خان أئمتهم أمانة منابر المساجد ليكذبوا على المصلين ويلوون عنق تفسير آيات الله، مروعين البسطاء والأميين بأن مصيرهم جهنم إذا لم يمنحوا أصواتهم لجماعة «طز في مصر».

ها هو أحد أئمتهم في مسجد الشربتلي يقاطعه المصلون علنا لنفاقه الرئيس دون حياء، خارجا عن نصوص شعائر صلاة الجمعة، محاولا تضليل المؤمنين بتفسير باطل لآيات الذكر الحكيم، انحيازا لقرار رئاسي غير دستوري، بل ومشكوك في صحته إسلاميا لأنه نكث لقسم وتعاهد على المصحف الشريف.

الكثيرون يشكون في صحة صلاة الجمعة الماضية التي أقيمت قبل إتمام الخطبة (قوطعت وتدخل الرئيس ليكمل جزءا منها)، واحتدم الجدل، ولم ينادَ بالأذان الثاني لإقامة الصلاة، وقسم كبير من المصلين يشكون في أهلية من يؤمهم.

استعراض شاهده الملايين على «يوتيوب» عن نفاق أئمتهم وتشويه صورة المسلمين واستغلال انتهازي لأهم شعائر العبادة الإسلامية الأسبوعية لأغراض دنيوية سياسية.

أما عن الوفاء بالعهد والالتزام بما تؤتمن عليه فأفعالهم خير شاهد على ما أضمروه في أنفسهم من سوء نية لمصر وللمسلمين.

أقسم الرجل باسم الله وعلى كتابه الشريف أمام المحكمة الدستورية العليا، كأعلى سلطة قضائية دستورية للأمة، أن يكون رئيسا للمصريين جميعا، ساهرا على حماية مصالح الوطن والشعب. وإذا به يخالف العهد حانثا القسم.

وضع نفسه فوق المؤسسة التي ناولته كتاب الله في يده اليمنى ليقسم عليه. ويصرح علانية بأنه «سيكفر عن حنثه بالقسم»، وكأن القسم على كتاب الله أمام أعلى سلطة قضائية في البلاد هو مجرد «هزار» ووعد عابر يكفر عنه بالصوم ثلاثة أيام مثل وعد الزوجة بمصاحبتها إلى حفلة موسيقية ثم تتناسى لانشغالك أو لأنها «عكرت مزاجك شوية أو موش مهاودة»، وليس أخطر وأهم قسم يمكن أن يؤديه رجل سياسة انتخبته الأمة لمنصب قيادي!

وهل يمكن لعاقل أن يتصور محاصرة غوغاء وفتوات الجماعة للمحكمة الدستورية العليا ومنعها لأول مرة في تاريخها من ممارسة أعمالها بلا موافقة وتدبير من القيادة السياسية ومكتب الإرشاد؟

محطة «الجزيرة» القطرية ظلت تكرر بث تقرير عن تردد شائعة في الشارع المصري بأن الإخوان سينظمون مظاهرة أمام المحكمة الدستورية العليا، ويمنعون قضاتها من ممارسة مهامهم قبل إعلان الإخوان أنفسهم تنظيم المظاهرة بيوم ونصف. وإذا كان من ائتمنته الأمة على الأمانة الدستورية صادقا في القسم الذي أداه ممسكا بالمصحف الشريف، فلماذا لم تصدر عن مكتبه، أو مكتب الإرشاد، نداءات بضرورة وحدة الأمة وعدم اعتراض طريق القضاة؟

لكنهم مستمرون في زرع بذور الفرقة وقسم الوطن.

مرتين يتوجه بالكلمة، كرئيس للدولة، ليس للأمة كلها عبر الإذاعة أو التلفزيون، بل لجماعته وأنصاره. مرة عندما أدار ظهره لميدان التحرير الذي روى دم شهدائه، مسلمين ومسيحيين، البستان الذي نمت فيه الأصوات التي أوصلته إلى قصر الرئاسة وتوقعنا تفتح ورود الديمقراطية فيه، ليخاطب جماعة «طز في مصر». ومرة والطيبون من أبناء مصر يبحثون عن ورود جناين الشهداء في الميدان، فإذا به يتجاهل أكثر من نصف الأمة ويتوجه بالكلمة إلى كرنفال المرشد الصاخب عند جامعة القاهرة.

قلوب العرب والمسلمين مع غالبية شعب مصر في معركة الخير ضد الشر، والتاريخ علمنا أنه رغم الانتكاسات ونكث الوعود والخداع دائما ما ينتصر النور على الظلام. ومثلما انتصر الخير على الشر في المنصورة وعين جالوت والعلمين، سينتصر أيضا في ميدان التحرير لأن كل ظلام المنافقين غير قادر على حجب نور شمعة واحدة أشعلها «الورد اللي فتّح في جناين مصر».