معركة الرايات

TT

رفع الليبيون خلال الثورة على القذافي أعلام الملكية، ورفع السوريون أعلام سوريا الاستقلال، ما قبل البعث. وكما تعارك المناصرون والمعارضون بالأعلام، تنافسوا أيضا بأحجامها. ولا شك أن مهنة الخياطين هي الأكثر ازدهارا في مهرجان البطالة العربي منذ سنين. فهناك أعلام تحرق باستمرار، كالعلمين الأميركي والإسرائيلي، وهناك أعلام نكايات ومكايدة. اليمنيون فقط رفعوا علما واحدا، في ساحات التأييد وساحات المعارضة المجاورة، أو المحاذية.

أطل على الأمم المتحدة من غرفتي، وقد انتبهت للمرة الأولى منذ أربعين عاما، أن أعلام الدول حكاية تحكى. شجر وحيوانات مفترسة وطيور جارحة. نسور وأسود وديوك. جعلت كندا شجرة السكر شعارا لها. ويرفع لبنان منذ قيامه صورة شجرة الأرز. ويروى أن الحسن الثاني سأل ساخرا كم شجرة أرز في لبنان، لأن غابات إيفران فيها أضعاف الأضعاف. الحقيقة أن شجر لبنان ليس بعدده بل بتقدمه. وما بقي منه يزيد عمره على ثلاثة آلاف سنة.

رفعت الدول أعلامها هويات. في بيروت رفع حزب الله علمه وعليه بندقية، ورفعت 14 آذار علم لبنان في المظاهرات ضد سوريا. ورفع مؤيدو سوريا علمها الحالي، بينما رفع معارضوها علم «الجيش الحر». أكدت تركيا العثمانية هويتها بالهلال واتبعتها دول إسلامية كثيرة، فيما بقيت دول أوروبية علمانية، مثل دول اسكندنافيا، على أعلامها المسيحية القديمة. أول مرة سافرت إلى أوروبا لاحظت أن القرى والبلدات ترفع أعلاما خاصة بها على الدور والمؤسسات، معظمها يعود إلى الحروب الماضية ويعبر عن رموز الانتصار. لا أحد يحتفل بالهزيمة أو يحب أن يتذكرها. إلا نحن. لا أعرف شعبا «احتفل» بهزيمته كما احتفلنا بحزيران 67. فقط اليابانيون يستعيدون ذكرى هيروشيما كل عام لكي يذكِّروا الإنسانية بما فعله هاري ترومان يوم أرسل إلى سماء المدينة طيارا يحمل قنبلة ذرية بكامل لوازمها.

يبقى أن الأكثر شعبية بين الرموز على الأعلام هو النسر، الذي ترفعه أميركا والنمسا والمكسيك ومصر وسوريا وسواها. وترفعه خصوصا ألبانيا، الدولة الإسلامية التي امتنعت عن التصويت إلى جانب فلسطين في الأمم المتحدة، ومعها، جمهورية ميكرونيزيا الاتحادية. عيب.