أكراد سوريا وأقرانهم العراقيون؟

TT

يلعب النموذج العراقي دورا مؤثرا في رسم الملامح المستقبلية عند بعض الأكراد السوريين وخاصة لجهة سعيهم إلى قيام كيان فيدرالي في سوريا على غرار ما هو قائم في العراق، يكون فيه مكان وسياسة يخصان الأكراد، وقد تبدى هذا التوجه واضحا في المطالب التي رفعتها الحركة الكردية السورية خلال العام الماضي، وحاولت تعبئة الأكراد خلفها، ووضعتها في سياق الشروط، التي تحكم علاقاتها مع قوى المعارضة السورية في إطار رسم ملامح مستقبل البلاد.

وعلى الرغم من أن من حق الأكراد وغيرهم من السوريين التعبير عن رؤيتهم للمستقبل ولشكل حضورهم ودورهم فيه، فإن من الحق أيضا بناء تلك الرؤية على أسس موضوعية وذاتية، تكفي لتحقيق تلك الرؤية، وجعلها ممكنة من الناحية الواقعية بأقل قدر من الخسائر والتضحيات والجهود حتى، الأمر الذي يفرض التوقف عند بعض المعطيات المحيطة بواقع الأكراد السوريين وأقرانهم العراقيين في مفاصل وتفاصيل تتعلق بموضوع الفيدرالية وإمكانياتها.

تعيش الكتلة الرئيسية من أكراد العراق في منطقة شمال العراق، والتي باتت تؤلف اليوم إقليم كردستان العراق، وهي منطقة متصلة جغرافياً، يعيش فيها نحو خُمس العراقيين، وقد ترسخ فيها الوجود الكردي طويلا وثمة مدن إقليمية ذات أكثرية كردية منذ زمن طويل مثل أربيل والسليمانية، فيما وضع أكراد سوريا يكاد يكون مختلفا في كثير من المعطيات السابقة، إذ لا يشكل الأكراد أكثر من عشرة في المائة من السوريين، وهم أكثر انتشارا في الأنحاء السورية من انتشار أشقائهم في العراق، على الرغم من وجود كثافات لهم في مناطق معينة، لكنها لا تشكل منطقة امتداد جغرافي واحد. وإذا كانت القامشلي هي المدينة الإقليمية عند أكراد سوريا، فهي مدينة مختلطة كما هو معروف وأكثريتها الكردية غير حاسمة، إضافة إلى أن القامشلي التي نشأت في ثلاثينات القرن العشرين ليست بالإرث الكردي كمدن في شمال العراق، وإنما هي أقرب إلى كركوك، التي يجري عليها صراع عربي كردي تركماني.

والنقطة الثانية، تتضمن أن الحركة الكردية في العراق، تمثل المرجعية الأهم للأكراد على مستوى المنطقة، وهي متمركزة في ثلاثة تنظيمات كبرى، أولها حزب رئيس كردستان العراق مسعود برزاني الحزب الديمقراطي، وحزب رئيس جمهورية العراق جلال طالباني الاتحاد الديمقراطي، والحركة الإسلامية، تضاف إليها قلة من تنظيمات صغيرة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، بينما الوضع مختلف لدى الحركة الكردية في سوريا، إذ هي تضم أكثر من خمسة عشر حزبا وجماعة أغلبها محدود الأعضاء، متوافقة شكليا ومختلفة واقعيا على الرغم من كل المطالبات من أجل وحدة تلك الجماعات التي صدرت عن أوساط كردية وعربية سورية في سنوات العقد الماضي. وإن كان ثمة جماعة كردية قوية وفاعلة في سوريا، فهي حزب الاتحاد الديمقراطي المرتبط فكريا وسياسيا وتنظيميا بحزب العمال الكردستاني (P.K.K)، وهي جماعة مغايرة للتوجهات الكردية السائدة في كردستان العراق وفي أوساط الأحزاب الكردية السورية، بل إن الأمر الأهم في واقع أكراد سوريا الراهن، أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو الوحيد الذي يملك ميليشيات مسلحة، وقد جرى استخدام هذه القوة في الفترة الماضية ضد قيادات كردية ومواطنين أكراد وغيرهم من السوريين، ولم تغير اتفاقية هوليير 2012 بين الاتحاد والمجلس الوطني الكردي الطابع الاختلافي بين الطرفين من جوانب مختلفة.

والنقطة الثالثة، تمثلها سياسة كردية عراقية، تقوم على معطيات واقعية، ليس في كردستان فقط، بل في العراق عامة، وهذا أمر ليس وليد سنوات الكيان الكردي الراهن هناك، أي سنوات ما بعد سقوط نظام صدام حسين، بل قبل ذلك بكثير، وهي سياسة تجد لها صدى واقعيا وعمليا في أنحاء العراق الأخرى، ولها دعم ومساندة من جماعات وقوى سياسية عراقية موجودة في عموم العراق ولدى كل مكوناته، فيما السياسة الكردية في سوريا حديثة بمعناها الشامل والواسع سواء في منطقة الانتشار الكردي أو في عموم سوريا، وهي سياسة في غالبها لا تقوم على معطيات واقعية بل افتراضية، أي على ما ينبغي أن يكون، إضافة إلى أن الجماعات والأحزاب الكردية، تعاني من شكوك وحذر في علاقاتها مع كل الأحزاب والجماعات الأخرى في سوريا بما في ذلك قوى تدعم بصورة غير محدودة مطالب الأكراد السوريين وحقوقهم، وهي قوى قالت منذ نحو عشر سنوات، إن قضية الأكراد، لا تخص الأكراد وحدهم، بل هي قضية وطنية سورية بامتياز، وحلها هو واجب السوريين جميعا.

إن طموح أكراد سوريا إلى تجسيد ما تم لأكراد العراق، يتطلب التدقيق فيما عليه الوضعان من اختلافات، قد تضع الوضعين في سياقين مختلفين. وبالتأكيد فإن الاعتماد على وجود حالة معينة في العراق أو في أي مكان آخر، لا يعني أن بالإمكان تجسيدها واقعيا لا في سوريا، ولا في أي مكان آخر من العالم.