بروتوكولات (حكماء الأكل)

TT

(بروتوكول) أو (أتيكيت) الأكل يختلف عند الشعوب، وقدر لي في أول نشأتي منذ الطفولة أن أخالط رجال البادية، وشاركتهم بالمأكل والمشرب، ولفت نظري أنهم اخترعوا لهم قاعدة أو تقليدا يقول: (كل أكل الجمال وقم مع أول الرجال)، وإذا نهض رجل واحد منهم من السفرة، هب الجميع خلفه دفعة واحدة حتى لو لم يشبعوا، لهذا هم أقل عباد الله أكلا، غير أنني لاحظت أيضا غرام الواحد منهم بملء يده بحفنة من الأرز ثم يأخذ بتكويرها وضغطها عدة مرات إلى أن يصل حجمها إلى حجم كرة (التنس)، ثم يقذف بها عاليا بالهواء ولا تسقط يا سبحان الله إلا بفمه المفتوح عن آخره، ثم يزدردها من دون أن يستمتع بمضغها.

وكنت شاهدا على رجل أوروبي عندما سأل رجلا عربيا بجانبه قائلا له: لماذا أنت تأكل بيدك وأمامك (الملاعق)؟! فأجابه: إنني آكل بها بعد أن أغسلها وأكون مطمئنا أنه لم يأكل بها قبل ذلك أحد غيري، ولكن أخبرني أنت كم واحدا قبلك أكل بملعقتك هذه التي تريد أن تدخلها الآن في فمك؟! فبهت الأوروبي وصمت ولم يرد عليه، بل إنني لاحظت أنه كرد فعل وقبل أن يدخل الملعقة بفمه وضعها جانبا، ثم بدأ يتناول الفاكهة.

واكتشفت أن الإخوة المغاربة كثيرا ما يتناولون الأكل في منازلهم بأيديهم، كما أنه من النادر أن تجد مصريا أمامه دجاجة أو (فرخة) مثلما ينطقونها، ويأكلها بالشوكة والسكين.

هذه هي عادات الشعوب، وتعد الملعقة أقدم من الشوكة بآلاف السنين، وبقيت الشوكة حتى في منشئها الأصلي إيطاليا، مدعاة للسخرية إلى منتصف القرن السابع عشر، وكان من يستخدمها من الرجال خاصة، ينعت بالتخنث.

ووجدت في كتاب اقرأه هذه الأيام، وهو يستعرض تاريخ الأكل والموائد، عندما وصلت في قراءتي إلى القرن الثالث عشر الميلادي، كان هناك فصل عن آداب السلوك، وبه (عشر وصايا)، جاء فيها:

(1): قضم العظمة وإعادتها للصحن إساءة بالغة لآداب المائدة.

(2): الانحناء على الصحن أثناء تناول الطعام مثل الخنزيز الذي يشخر عند نزوله على طعامه على نحو يقزز البدن.

(3): البصاق من فوق المائدة أو عليها واحد من السلوكيات القبيحة للصيادين.

(4): ينصح بالاستدارة عن المائدة عند تنظيف الأنف أو السعال بحيث لا يتناثر اللعاب أو نواتج الأنف على المائدة.

(5): من سوء التربية أن يتجشأ الإنسان أو ينظف أنفه بغطاء المائدة.

(6): يجب الامتناع عن تنظيف الأسنان بالسكين مثلما يفعل البعض.

(7): غطس الأصابع في الطعام قبل غسلها مدعاة لبتر تلك الأصابع.

(8): لا ترجع إلى صحنك ما كان في فمك.

(9): لا تغمس الطعام في الملح بل رشّ الملح عليه.

(10): إذا أردت أن تتكلم مع المرأة التي بجانبك فتأكد أن فمك خال من الطعام.

أنا شخصيا أصبحت في المدة الأخيرة مفتونا بالأكل على الطريقة اليابانية أو الصينية، فلا آكل إلا بـ(أعواد) من الخشب، وهذا هو أسلوبي في منزلي، وإذا عزمني أحد أذهب له بعد أن أدحش أعوادي في جيبي.

ووجدت هذه الطريقة فوق أنها ممتعة ومسلية، لا تتركك تشبع وتتخم، وتضطر في النهاية إلى أن تفك حزامك على الآخر، هذا إذا لم تنبطح.

[email protected]