في وادي الكتب

TT

المكتبة العامة في نيويورك هذا العصر. ورفيقي وابن قريتي هو أيضا سنجاب كتب، أو «مفرغ مكتبات» كما يسمي ابني الذين يعودون إلى المنزل ومعهم أكياس مليئة بالكتب. ولكن المكتبة العامة في نيويورك هي «امباير ستيت» المكتبات في العالم.

كما أن «الغراند سنترال» هي تحفة محطات القطار. لا روما ولا باريس ولا فيينا. هذه المدينة بناها أهلها وأرادوا أن تكون أهم المدن. أن يكون «العالم الجديد» أهم من العالم القديم في أوروبا. وفي هذا القطاع الضيق «بين شطين وميه» لم يكن أمامهم سوى السحاب فبنوا فيه. وأعجبتهم جادات البارون هوسمان في باريس فجعلوا جاداتهم أطول منها طولا بمدى وأعرض منها عرضا بأضعاف. تكبو نيويورك ثم تنهض. تتشقق طرقاتها ويكثر المشردون على الأرصفة ثم تعود فتتذكر أنها أكبر سوق مالية في التاريخ. وتفيق على أنها سيدة المسارح في الإنتاج، متجاوزة تلك المدينة التي بدأ فيها شكسبير حياته، على مسرح رطب وخلفه ستارة معلقة بحبل غسيل.

في الماضي كنت أتفادى نيويورك وأشعر أنها تطغى بعجرفة على الإنسان العادي، بمبانيها مثل جبال الإسمنت، وسياراتها المستطيلة بزجاج داكن، وضجيجها وسرعتها وتدافعها وألوانها البشرية المزدحمة، ولكنني تعلمت مع الوقت أن أنظر إليها كإنجاز بشري، في الاقتصاد والمال والفن والطب والعمارة والصحافة والمتاحف، والمكتبات العامة.

يخيل إليك في هذه المكتبة أنك في روما أو أثينا وأن أرسطو سوف يطل بعد قليل بردائه الأبيض الطويل. لكنه لن يفعل. على الأقل ليس قبل أن تنتهي من رغيف «التونة». كان يقال إن المكتبة الوطنية في دبلن هي ملتقى الناس حيث تتم أشياء كثيرة إلا ارتكاب المخالفة الاجتماعية الكبرى: القراءة! كذلك تغص المداخل الخارجية لمكتبة نيويورك بالباحثين عن دفء الكتاب من دون الاقتراب أكثر من هذا العالم الذي يبدو من خارج هذا العالم. هذا مكان تستطيع أن تمضي فيه العمر ولم تقرأ بعد الصف الأول من الرف الأول.

الفرد يبني مثل هذه الروائع. الدول تشن الحروب وتتغطرس على البشر. والناس لا يريدون من الحياة أكثر من كتاب ورغيف تونة. لا تنسَ القهوة بكوب الكرتون.