أيام مصرية ملتهبة

TT

«المغطس» الذي وقعت فيه السلطة في مصر كان من الممكن تفاديه وعدم تعريض الأمن الاجتماعي لهذا النوع من الاستقطاب وحدية الطرح، وطبعا الحوادث والجرحى والقتلى من كافة الأطراف.

مصر بلد يموج بحالة «ثورية» غير قليلة، بلد يمر بمخاض بين تيارات تتنازع السلطة، فيه حراك غير عادي بين أمواج الدين السياسي والدولة المدنية. نظام يحكم البلاد جاء إلى سدة الرئاسة بعد انتخابات حامية الوطيس، كان فارق النتيجة فيها بسيطا، يعكس ولا شك حجم الانقسام والاستقطاب الموجود بامتياز في الشارع السياسي المصري، والذي انعكس «قلقا» وخوفا وشكا على الشعب نفسه.

هذه الحالة كان يجب أن تكون نصب أعين الدولة والحكومة والرئيس قبل اتخاذ قرارات صادمة وقوية، بل وحتى يمكن أن توصف بالقرارات الاستفزازية. قرارات ظاهرها «استقواء» و«استحواذ» و«انفراد» بالسلطة، والناس لديها حساسية مفرطة من «الديكتاتورية»؛ فهم أسقطوا حاكما استقوى بالنظام، وانفرد بالسلطة حتى اضطر الشعب لأن يثور عليه ويجبره على التنحي من المنصب نفسه. ناهيك عن الحساسية الموجودة أساسا تجاه حركة الإخوان المسلمين ومشروعهم السياسي القديم الذي يعملون لأجله.

مصر بلد شديد الحساسية هذه الأيام، والسماح بتأجيج خطاب ديني موتور في بلد مسلم وبه أعرق مشيخة ومرجعية دينية في العالم الإسلامي، متمثلة بمشيخة الأزهر، هو نوع من المراهقة السياسية الحمقاء.

فأن يسمح لفتية يتظاهرون لدعم الرئيس ويصيحون: «شهداؤنا في الجنة وموتاكم في النار»، وأن يسمح لرجل بالدخول إلى أحد المساجد بالقرب من قصر الرئاسة بالاتحادية ويخطف الميكروفون ويصيح «وا إسلاماه» وكأن المعركة بين الكفار والمسلمين لتكون «فتنة» حقيقية تقسم البلاد.

الإعلان الدستوري كان فيه الكثير من المخالفات القانونية، فنيا، نتحدث وهي مسألة أدت إلى تشنج وقلق مهول في نفوس المصريين الذين لديهم حساسية مسبقة، واستمر الصمت الرسمي لفترة طويلة والشارع يستمر في توتره، وبات الوضع ملتهبا، وارتفع سقف المطالب بشكل غير مسبوق، وتساقط القتلى والجرحى، وكان الثمن بالدم، ولم يكن الرئيس موفقا أبدا وهو يخطب في شعبه خطابا غامضا بلا مغزى، موترا الشارع أكثر حتى كان الموعد مع «الحوار» الذي دعا إليه، واضطر إلى إلغاء الإعلان الدستوري، ولكنه أبقى على الاستفتاء على مواد الدستور الذي أعد بشكل سريع وفي زمن قياسي، مع العلم بأن هناك أطيافا كثيرة تطالب بإلغاء الاستفتاء أيضا، وهي مصرة عليه بحجة أن المواد الدستورية المقترحة لم تلق القدر الكافي من الوقت والتداول قبل طرحها للاستفتاء العام.

المسألة الآن في مصر تمس الشرعية، والشرعية لها أوجه مختلفة، هل خالف الرئيس بإعلانه الدستوري القسم الذي قام بأدائه بحماية وصون القانون والدستور؟ وبالتالي تحولت الخطوات اللاحقة إلى طعن في شرعية الرئيس نفسه؟!

مصر افتخرت بأنها دولة مؤسسات وقانون (رغم التحفظ على فعالية هذه المؤسسات ونجاعة القانون) إلا أن الرمزية تبقى من المطلوب الإشارة إليها، وبالتالي أي محاولة لإلغاء هذا الإرث هي ترجمة حرفية لفكرة الحكم المطلق والديكتاتوري، والناس لديها حساسية مفرطة (محقة ومبررة) بسبب تجارب سلبية سابقة تركت آثارها المدمرة على النفسية المصرية بصورة عامة جعلت ردة الفعل لدى الكثيرين في الأيام التي مضت مفهومة تجاه قرارات الرئيس.

فرصة الرئيس مرسي موجودة، وإن كانت ضئيلة، لإعادة بناء جسور الثقة مع شعبه، والعالم العربي يراقب بخوف وقلق خطواته القادمة؛ لأن الداء المصري قد يصيب آخرين بذات العدوى. نسأل الله السلامة.

[email protected]