حلف الفلول

TT

«جبهة الإنقاذ الوطني» المصرية أحدثت خيبة أمل مرة، كان أملنا فيها أن تتحول إلى «حلف فضول» فبدت بأدائها السيئ وكأنها «حلف فلول»، تمنى المستقلون ومن يهمه شأن مصر أن يتحلى قادة الجبهة باعتدال الطرح ومنطقية الاعتراضات والانعتاق ولو بنسبة معقولة من «الغل» الشديد الذي يكنه قادتها ضد التيار الإسلامي، تمنينا أن يكون ائتلاف المعارضة «رمانة ميزان» تحمي الشعب المصري من خطر تغول الإسلاميين في الحكم، وإذا بهذا الحلف ذي النكهة الفلولية يعطيهم الذريعة تلو الذريعة لتسجيل نقاط كثيرة ضدهم أوهنت من قوة ملاحظاتهم وشككت حتى في صدقية بعض مطالبهم المشروعة.

بطبيعة الحال هذا ليس تبرئة للرئيس مرسي، فقد قلت في عدة مناسبات إن قراراته الدستورية الأخيرة، بغض النظر عن دوافعها، كانت خطأ كارثيا كاد يتسبب في انزلاق البلاد إلى فوضى عارمة ويقضي على مكتسبات الثورة المصرية ويعيدها إلى المربع رقم واحد، بل أنست الناس أداء الرئيس مرسي كدبلوماسي براغماتي مؤثر في ملف غزة جلب له إعجاب عدد من قيادات العالم الغربي، وخاصة الرئيس الأميركي.

وحسنا فعل حين تصرف كرجل دولة، فحنى رأسه لعاصفة خصومه في المعارضة وألغى قراراته الدستورية وراجع بعض مواد الدستور وأجل التصويت عليه، بل إنه بدعوته للحوار السبت الماضي وتقديمه بعض التنازلات أثبت إمكانية تعايشه مع معارضته، وشيء حدث فوق البيعة، وهو أن تنازلاته، والتي حذره منها بعض أنصاره بأنها مؤشر ضعف، قد أحدثت خللا وارتباكا في معسكر منافسيه، فحضر بعضهم وأحجم بعضهم، وتركت هذه القرارات وإن كانت غير مثالية أثرا إيجابيا وهدوءا على الساحة المصرية وإن كان حذرا، فإلى كتابة هذه السطور خفت ظاهرة «التحشيد» والدعوة للمليونيات.

أعود لحلف الفلول وأقول إن إحدى إشكالياته أنه يمارس معارضة بنكهة الغطرسة، فيبدو من تصريحات قادته المتشنجة أنهم إلى الآن لم يستوعبوا كيف لمصر أن يحكمها إسلاميون؟ وهذه علاوة على أنها نوع من الإخلال بنتائج اللعبة الديمقراطية إلا أن فيها أيضا روح استعلاء واضحة جعلت بعضهم، مثل عمرو موسى والبرادعي وصباحي، يتعاملون مع الحكام الجدد وكأنهم قصر، وهذا ربما يفسر مع أسباب أخرى استنكافهم عن الجلوس مع الرئيس لإنقاذ البلاد من خطر محقق.

وهناك أيضا خطأ كارثي آخر ارتكبه قادة المعارضة وهو سكوتهم المطبق عن التنديد بحرق مقرات الإخوان وذراعهم السياسية «حزب الحرية والعدالة» والتي لامس عددها الثلاثين مقرا، في وقت لم تسجل حادثة واحدة ضد مقرات أحزاب المعارضة مع أن أغلبية فصائل الاتجاه الإسلامي إن لم يكن كلها تعتقد أن بعض أحزاب المعارضة هي التي دبرت ومولت الهجوم على مقراتها، وقتلى أحداث قصر الاتحادية السبعة ستة منهم من الإسلاميين.

هذه المواقف لبعض قادة المعارضة جعلت الناس في داخل مصر وخارجها تشك في أن هدفها البعيد من كل هذه الشوشرة، وأخطرها محاصرة مرسي في مقره، هو رأس الرئيس. تقول صحيفة «الغارديان» البريطانية في افتتاحيتها بعد أن انتقدت عددا من تصرفات وتصريحات قادة المعارضة، بما فيها رفض البرادعي للحوار وقوله إن مرسي فقد شرعيته: «إذن، فهدف (جبهة الإنقاذ الوطني) المعارضة ليس الدستور ولا الإعلان الدستوري، ولكن الهدف هو مرسي نفسه»، وهذا هو الذي، إن ثبت صحته وأصروا عليه، سيجر البلاد، لا سمح الله، إلى فتنة خطيرة لا تبقي ولا تذر.

[email protected]