مبادرة التمويل الخاص ونجاح الشراكة بين القطاعين الخاص والعام في بريطانيا

TT

\ في مقال الأسبوع الماضي، ذكرت أن وزير الخزانة البريطاني سوف يدلي ببيان الخريف الذي يلقيه سنويا، وأنه سيعلن أيضا عن إجراء بعض التغييرات في «مبادرة التمويل الخاص»، وهو البرنامج الناجح للغاية الذي وضعته المملكة المتحدة لإقامة علاقات شراكة بين القطاعين العام والخاص، بعد مراجعة استغرقت عاما كاملا وكانت قد بدأت في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2011. كما قلت إنني وجيوفري سبنس، الرئيس التنفيذي لـ«هيئة البنية التحتية» التابعة لوزارة الخزانة البريطانية سوف نلقي البيان الرئيسي في «مؤتمر البنية التحتية البريطانية» الذي عقد في لندن يوم الخميس الماضي، ووعدت بأن أعلق على هذه المواضيع هذا الأسبوع.

لقد أطلقت الحكومة البريطانية هذا الأسبوع منهجها الجديد في إشراك التمويل الخاص في توفير البنية التحتية والخدمات العامة من خلال ترتيب تعاقدي طويل الأجل يسمى «التمويل الخاص 2»، فمن أجل تعزيز علاقة الشراكة بين القطاعين العام والخاص بصورة قوية، فإن الحكومة سوف تصبح مستثمرا شريكا بحصة أقلية في المشاريع الخاضعة لمبادرة «التمويل الخاص 2»، وهذا يعني أن القطاع العام سوف يصبح أحد المساهمين في المشروع وشريكا في عوائد الاستثمار القائم، مما يؤدي إلى رفع قيمة رؤوس أموال المشاريع. وبالإضافة إلى ذلك، فسوف تقدم الحكومة منافسات تمويلية للحصول على نسبة من الملكية، وذلك بهدف جذب المستثمرين طويلي الأجل إلى المشاريع قبل التوصل إلى اتفاق نهائي بشأنها. وسوف يشجع هذا على زيادة تلاقي المصالح بين القطاعين العام والخاص، واتباع أسلوب أكثر تعاونية في تحسين أداء المشاريع وإدارة المخاطر.

وقد كانت المملكة المتحدة رائدة في مجال تحديث طرق توفير البنية التحتية والخدمات العامة والبحث عن سبل جديدة للعمل بالمشاركة مع القطاع الخاص على مدار الـ20 عاما الماضية. وهذا الأسبوع قامت وزارة الخزانة البريطانية بنشر برنامج معدل لإقامة المشاريع، وهو يشمل ما يزيد على 550 مشروعا تزيد قيمتها على 330 مليار جنيه إسترليني (530 مليار دولار) حتى عام 2015 وما بعده، بزيادة حقيقية تتجاوز 70 مليار جنيه إسترليني عن برنامج الاستثمار في البنية التحتية المستقبلية الذي تم تقديمه عام 2011، و70 في المائة من هذه القيمة سوف يتم تدبيرها من القطاع الخاص، مما يتيح فرصا رائعة أمام المستثمرين من المملكة المتحدة ومن جميع أنحاء العالم.

وتؤمن الحكومة البريطانية بضرورة استمرار أنشطة الاستثمار والابتكار والمهارات التي يتمتع بها القطاع الخاص في لعب دور مهم في توفير البنية التحتية والخدمات العامة، حيث يوجد اتجاه متزايد إلى عدم تقديم الخدمات من خلال القطاع العام نفسه، بل من خارجه، سواء عن طريق المنظمات التبادلية المملوكة للعاملين بها أو المشاريع التجارية المشتركة أو المؤسسات الاجتماعية أو الخيرية أو مقدمي الخدمات التجارية. وقد تم وضع «مبادرة التمويل الخاص» من أجل إشراك القطاع الخاص في تصميم وبناء وتمويل وتشغيل البنية التحتية العامة، بهدف تقديم أصول عالية الجودة وجيدة الصيانة تزيد من قيمة أموال دافعي الضرائب، وقد تم تطبيق هذه المبادرة على نطاق واسع من القطاعات.

ومن المهم توفير ما يكفي من الاستثمارات لتقديم هذه الخدمات، ومنذ حدوث الأزمة المالية، ظهرت مخاوف كثيرة بسبب عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بالسيولة، حيث تمر بعض المصارف بظروف تحد من قدرتها على جذب الودائع والوصول إلى السوق المشتركة بين المصارف بأسعار فائدة تتناسب مع التزاماتها طويلة الأجل المتعلقة بإقراض الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وقد شهدت عائدات السندات الحكومية انخفاضا كبيرا على خلفية التراجع طويل الأمد في أرباح الأصول الجوهرية الأخرى مثل الأسهم الممتازة. وفي غضون ذلك، فإن المصارف تقوم بتقليص إدارات البنية التحتية التابعة لها وتحويل تمويل الديون إلى اتجاهات أخرى. وقد كان تمويل المشاريع يأتي عادة من المصارف، ثم كان يتم بيع الديون إلى أطراف أخرى في مرحلة لاحقة. وقد تسببت زيادة صعوبة أوضاع التمويل بالنسبة لبعض المصارف، مقترنة بتشديد اشتراطات رأس المال التي تفرضها الجهات التنظيمية على التزامات المصارف تجاه تمويل الأصول من البنية التحتية بموجب قواعد «اتفاقية بازل 3» في جعل هذا القطاع في صورته التقليدية غير جاذب للكثير من جهات الإقراض.

وفي مثل هذا الأسبوع قبل عام واحد بالضبط، تلقيت دعوة لحضور اجتماع المائدة المستديرة الذي نظمه عمدة مدينة لندن لمؤسسات المدينة من أجل مناقشة هذا الموضوع، والتقى اللورد غرين وزير التجارة والاستثمار واللورد ساسون وكيل وزارة الخزانة بمجموعة صغيرة من الشخصيات ذات التأثير لبحث الكيفية التي يمكن بها أن تستثمر أسواق رأس المال، وخاصة صناديق معاشات التقاعد، استثمارا مباشرا في البنية التحتية. وكانت الرسالة الأهم في هذا الاجتماع هي أنه لا يوجد عجز في رؤوس الأموال الجاهزة للاندفاع وراء الفرص «المناسبة». وأثار المستثمرون المؤسسيون مسألة أن المقترحات المتعلقة بالاستثمار الذي يعتمد كثيرا على الاقتراض لا تتناسب مع معايير الاستثمار التي يسيرون عليها، وقد تحقق تقدم كبير خلال الـ12 شهرا الماضية في التغلب على هذه العقبة.

وفي العام الماضي أيضا، ذهبت إلى براغ كي أترأس «القمة السنوية الرابعة للشراكة بين القطاعين العام والخاص في وسط أوروبا»، والتقيت بنيكولاس فرزلي، المؤسس المشارك لـ«المجلس العالمي لمعاشات التقاعد»، وهو معهد دراسات يقع مقره في باريس، وأكد الرجل أن توازن القوى المالي قد تحول بعيدا عن الحكومات الغربية والمصارف المركزية لصالح الوكلاء الكبار من القطاع الخاص مثل المصارف الاستثمارية وصناديق معاشات التقاعد وصناديق الثروة السيادية في كل من آسيا والشرق الأوسط. وأشار فرزلي إلى وجود تحول تمثل في تراجع القواعد الدولية المنهجية التي «تحل محلها بالتدريج المعايير الأقل منهجية، على أساس معايير واسعة للسلوك تتحدد في ضوء الحقوق والالتزامات، وبطريقة لا تختلف عن الطريقة التي يسير بها القانون العام البريطاني، وهي إحلال القانون غير المكتوب محل القانون المكتوب أو التشريعي».

وهناك تقدم يتحقق في أشكال جديدة من تمويل البنية التحتية، فخلال الأسابيع القليلة الماضية في هولندا وبريطانيا، تم إبرام مشروعين جديرين بالذكر يدخلان في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص. ففي صفقة مهمة، توصل صندوق معاشات التقاعد الهولندي «إيه بي جي» وثلاثة بنوك تجارية، هي «بنك طوكيو ميتسوبيشي يو إف جيه» الياباني، و«كيه إف دبليو» الألماني و«رابوبنك» الألماني، إلى اتفاق نهائي بشأن مشروع «إن 33» الهولندي لتوسيع الطرق الذي يدخل في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني). وتدير هذا المشروع هيئة حكومية، هي مديرية الأشغال العامة وإدارة المياه الهولندية. وقد قامت بتوظيف هيكل تمويل مبتكر مع صندوق معاشات تقاعد يعمل كجهة إقراض للمرة الأولى في السوق الهولندية. وعلاوة على ذلك، فإنها أيضا المرة الأولى التي يتم فيها تزويد مشروع بنية تحتية بتمويل مرتبط بمؤشر أسهم في السوق الهولندية.

وفي الأسبوع الماضي في بريطانيا، تم إبرام واحد من أول مشاريع مبادرة التمويل الخاص التي تستخدم منافسة تمويل الإقراض. وعلى الرغم من أنه قد أشير إلى «أكورن كونسورتيام» بوصفها مقدم العطاء المفضل لمشروع مستشفى «نيو ألدر هاي» في فبراير (شباط)، إلا أنه جرت منافسة التمويل لاحقا. تبلغ نسبة الديون إلى حقوق المساهمين 90:20. أخبرني طاقم إدارة «ألدر هاي» بأنهم قد فوجئوا على نحو سار بمستوى المنافسة. جذبت منافسة التمويل عطاءات قوية من ستة أو سبعة بنوك تجارية وعدد مماثل من حلول سوق رأس المال، والتي تدعم جميعها منح قروض طويلة الأجل لقطاع الرعاية الصحية الذي يدخل في إطار مبادرة التمويل الخاص. لقد فاز كل من شركة « سوميتومو ميتسوي» المصرفية اليابانية و«إم آند جي» وبنك الاستثمار الأوروبي بمنافسة التمويل لتقديم قرض تجاري لهذا المشروع الذي يدخل في إطار مبادرة التمويل الخاص. وسيتم تمويل جزء كبير من المشروع بتدفقات نقدية من «ألدر هاي فاونديشن تراست» ومن الجمعية الخيرية للمستشفى. وهذا الهيكل المبتكر للتمويل متوسط المخاطر ورأس المال والقروض مثير.

وما نراه في «ألدار هاي» هو أن جهة إدارة أصول «إم آند جي» التابعة لشركة «برودينشيال» البريطانية وشركة إدارة أموال أوروبية تعملان بالنيابة عن مستثمرين مؤسسيين مثل صناديق معاشات التقاعد. لكن ربما يكون الأمر الأكثر أهمية هو أن هذا المشروع يشير إلى احتمال دخول مجموعة من المستثمرين الجدد مجال البنية التحتية، في الوقت الذي تعرقل فيه البنوك متطلبات تنظيمية جديدة. وفي النهاية، طالما عرفت بريطانيا بروح الابتكار والمبادرة في المشاريع الريادية والبنية التحتية. سوف توفر مبادرة «التمويل الخاص 2» فرصا عظيمة لكل الأطراف المعنية.

* جون ديفي: أستاذ زائر في «كلية إدارة الأعمال» بجامعة «لندن متروبوليتان» ورئيس مجلس إدارة شركة

«ألترا كابيتال»