«حيص بيص» في مصر

TT

هناك الكثير من التعبيرات التي نستخدمها في حياتنا اليومية نعرف معناها من دون أن ندقق في أصلها وكيف شاعت وبينها تعبير «حيص بيص» الذي اشتهر به اسم شاعر عربي هو أول من أطلقه يشير إلى ورطة أو وضع حائر وهو في أصله يشير إلى حالة شدة واختلاط بين الناس، وهناك البعض الذي يشير إلى أنها أكلة فيها خلطة.

عموما ينطبق تعبير «حيص بيص» على الساحة السياسية المصرية الحالية، التي تتمثل في شدة واختلاط ومأزق مركب قانونيا ودستوريا وسياسيا يحتاج إلى الكثير من الحكمة للخروج منها بأخف الأضرار بعد نحو 5 إعلانات دستورية تقريبا تتضارب مع بعضها منذ الاستفتاء الأول الذي كان حول الدستور أم الانتخابات أولا.

هناك الكثير من اللخبطة: إعلان دستوري أصدره الرئيس ورفضته المعارضة فأعاد الرئيس إصدار إعلان دستوري جديد يستجيب جزئيا إلى مطالب المعارضة لكنه لم يلب طلبها بإلغاء الاستفتاء على الدستور الذي سيجرى بعد 4 أيام من الآن وسط جدل حاد حوله في المجتمع، ودعوات من جبهة الإنقاذ التي اكتسبت زخما في الفترة الأخيرة لمقاطعته. وضمن هذه الحالة قرارات الحكومة بزيادة ضرائب وأسعار التي ألغاها أو جمدها الرئيس بعد إعلانها بيوم، وهي تأتي في إطار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على تقديم تسهيلات بنحو 4.8 مليار دولار لتحريك الاقتصاد ومنحه شهادة ثقة دولية، والآن يبدو أن القرض سيكون مؤجلا وبالتالي تحرك الاقتصاد نفسه، في حين جرى استنزاف كبير لرصيد الاحتياطي الأجنبي، وعجلة الإنتاج لا تزال متأثرة.

يرجع كثيرون هذه الحالة من اللخبطة والمسار المتقلب للمرحلة الانتقالية إلى الاستفتاء الأول على المسار: الدستور أولا أم الانتخابات، ثم إدارة المرحلة الانتقالية نفسها في فترة المجلس العسكري، والقرارات التي اتخذت وقتها، والحقيقة أن الكل مشترك في المسؤولية بشكل أو بآخر لأسباب طبيعية، فعندما سقط النظام السابق كان الجميع في حالة ربكة، ولم يكن أحد لديه خريطة واضحة محددة لمسار المرحلة الانتقالية، وإذا كانت بعض النخب السياسية كان لديها تصور فإنها لم يكن لديها الحشد الشعبي اللازم على الأرض، ولذلك آثر الناس السلامة. وكان الطبيعي أن يتصدر المشهد من لديه الخبرة السياسية والتنظيم على الأرض ولديه القدرة على حشد جمهوره وهو ما كان لجماعة الإخوان بما مكنها من الفوز الكبير في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، بينما لم تستطع القوى الأخرى التي تعتبر نفسها القوة الأولى في 25 يناير (كانون الثاني) أن تترجم ما فعلته في صناديق الانتخاب نتيجة الافتقار إلى الخبرة والانقسامات وافتقاد التنظيم.

الآن وقد اقترب عامان على 25 يناير، وهناك منعطف هام هو الاستفتاء على مسودة الدستور التي لا يعترف بها الجميع، وهناك الكثير من الأسئلة المفتوحة من دون إجابة، تبدأ أولا بالقدرة على تنظيم الاستفتاء أولا، ثم ماذا لو كانت نسبة الإقبال ضعيفة، وفي افتراض آخر ماذا سيحدث لو جاءت النتيجة بلا؟ وكيف سيكون المسار؟ والسؤال الأهم هو كيفية التوافق في وضع فيه حالة استقطاب حادة بين جبهتين رئيسيتين هما الإسلاميون، والقوى المدنية؟ وهي أسئلة تطرح، واليوم هناك دعوات إلى 3 مليونيات لا يعرف أحد كيف ستنتهي.

وضع شديد التعقيد والارتباك من الصعب التكهن بمساره، وإن كان فيه ملمح إيجابي وهو أنه قد أصبح هناك في مصر ما يطلق عليه معارضة مدنية حقيقية لها جمهور واسع وقادرة على التحريك والضغط سياسيا بعد ما توحد أقطاب المعارضة في جبهة واحدة، ومن المهم أن تواصل زخمها حتى لا يستفرد أحد بمصر.