الشاي.. والمزاج السياسي!

TT

لفهم أبعاد القرارات الاقتصادية الأخيرة التي اتخذها الرئيس المصري محمد مرسي برفع الرسوم الضريبية على العديد من السلع المختلفة والتي سرعان ما تراجع عنها ولكن «الشارع» بحسه أدرك أن هناك شيئا ما يحاك ضده في اتفاق قد تم بين الحكومة المصرية الحالية وصندوق النقد الدولي والذي وضع شروطا (مجهولة ولم يتم الكشف ولا الإفصاح عنها) ترفع فيها الأسعار ويزال الدعم عن السلع لتكون السوق مفتوحة بشكل أكبر وأوسع للمنافسة، ولكن هذا طبعا سيؤدي إلى حالة هائلة من التضخم (بدأت فعلا وطالت سلعا وخدمات مختلفة).

ولكي أفهم أكثر هذه الحالة كان لا بد لي أن أعرف من أحد الأصدقاء في مصر وبشكل مباشر تداعيات القرارات هذه على الوضع العام، فضحك وقال لي: شوف يا سيدي، أنت تعرف وضع الشاي في العالم العربي عموما ومصر تحديدا؟! قلت له: نعم.. الشاي! وما دخل ذلك بما أقوله لك؟! قال لي: اصبر!

الشاي جزء من ثقافة العرب ويرتبط بالمزاج والكيف.. صح؟! قلت: يمكن صح! فأضاف: ألم يغن له في لبنان «يا صبايا بين الشاي زيدو حلاته»؟! وألم تغن له صباح شخصيا «ولا جاني ولا جبلي الشاي ولا غنى معايا عالناي»؟! وفي أخرى غنت «تعالى ياللاه تعالى اشرب معايا الشاي».. قلت متأففا: نعم.. أرجوك ما دخل كل ذلك في سؤالي؟! فأجاب: يا أخي، أرجوك اصبر عليّ قليلا. وأضاف: شريفة فاضل غنت هي الأخرى ذات مرة «واحد شاي بالخمسينة على كيف كيفك يا أخينا»، وموفق بهجت المطرب السوري الشهير غنى هو أيضا ذات يوم «يا بوري رايح يا بوري جاي يا بوري محمل سكر وشاي»، والمطرب العراقي سالم غنى «خدري الشاي خدري». وبدأت أغضب وارتفع صوتي وقلت له: يا أخي، أرجوك ما دخل كل ذلك بما قلت؟! قال لي: صبرا يا أخي أرجوك!

حتى ليلى نظمي غنت ذات يوم «ما اشربش الشاي أشرب أزوزة أنا»، وهذه الأغنية بحسب المفهوم الشعبي من تاريخ مصر الاجتماعي، حيث كان لا يجد البسطاء إلا الشاي الذي كان يعاد غليه وتسخينه أكثر من مرة لضيق ذات اليد وعدم وجود البديل، وهذه الأغنية كانت تعبر عن حالة الفتاة العروس التي تنتظر فارس أحلامها القادم على صهوة جواد أبيض لكي ينقلها من حالة الفقر والعوز الشديد المرتبطة بفكرة الشاي إلى حالة الغنى والرفاهية المرتبطة بالمشروبات الحديثة العصرية.

المصريون تعلقوا بالشاي وأوجدوا له أسماء وأنواعا مثل الكشري والخمسينة والحبر وغيرها من الأسماء.. ولكن مع القرارات الأخيرة بحسب صديقي، فإن «الغالية بتاعت ما اشربش الشاي أشرب أزوزة أنا، حتشرب الشاي وبالجزمة القديمة دلوقتي».. فهمت؟! قلت له: أعتقد أنني فهمت.. فأضاف: أرجوك اسمح لي أن أوضح لك.. من مبادئ الاقتصاد المالي أن يكون للدولة اقتصاد سياسي يراعي ظروف البلاد ووضعها، فلا يمكن أن تضاف رسوم وضرائب في ظل وضع متأزم ومضطرب وقلق وخانق ومذعور، فهو يضيف الزيت على النار وبقوة ولا يساعد على الحل لبلد وضعه متأزم مثل مصر اليوم.

هناك أزمة مشورة وأزمة ثقة وأزمة صناعة قرار، وكل ذلك يأتي لأن هناك قناعة بأن فريقا على حق وآخر على ضلال، ولعمري هذه مسألة لا تحل إلا بإعادة النظر في أصل الموقف نفسه أن الفريقين ينتميان لنفس البلد ونفس المبدأ.. وقتها يتم البدء في أولى خطوات الحل.

[email protected]