ماذا يبقى من الفلسفة ولماذا؟

TT

قبل ثلاثين عاما، كان جان بول سارتر حديث المدارات الأدبية حول العالم. وصف إدوارد سعيد كتاباته بالتجليات الفكرية. وما بين 1940 و1980 ظل، في الاعتراض وفي القبول، ألمع اسم أدبي في فرنسا. عرفه العالم بلقب «فيلسوف الوجودية» كما وصفه الفيلسوف المعاكس غابرييل مارسيل، فكان تعليقه: «أنا فيلسوف في الوجود ولم أسمع بالوجودية من قبل».

حتى الثمانينات، كان يبدو أن سارتر سوف يظل مرجعية فكرية وتتحول آثاره إلى أدب كلاسيكي. لم يحدث. طلاب الفلسفة والأدب وقراء المؤلفات الفكرية، يعودون إلى سقراط وأفلاطون، أكثر بكثير من العودة إلى سارتر. أعماله المسرحية تكاد تكون منسية. مواقفه السياسية في العنف والثورة لم تعد تعني أحدا. ما بقي من ساتر بقي لدى المثقفين والمعنيين وذاب تقريبا في الملأ العادي، إلا من بعض الآثار الأدبية.

كأنما كان يتنبأ عندما كتب في «ما هو الأدب؟» أن «كلمات النثر أدوات يزول مفعولها عندما لا يعود لها غرض، في حين أن كلمات الشاعر أشياء طبيعية تنمو كما تنمو الأشجار والعشب». فرنسا اليوم من دون «فيلسوف». لقد أعطي هذا اللقب لبرنار هنري ليفي، ولكن الواضح أنه جواز مزور، يسمح للمسيو ليفي بلعب أدوار سياسية على طريقة سارتر، في إثارة الضجيج من حوله.

الواقع أنه كما كان سارتر آخر «فلاسفة» فرنسا، كان برتراند راسل آخر «فلاسفة» بريطانيا. وقد تشابها في المواقف العامة، لكنهما قدما للفكر الغربي نتاجا مختلفا انطلاقا من عقل مختلف. ولعب سارتر دورا مباشرا ومديدا في حياة فرنسا السياسية، من أيام المقاومة خلال الحرب إلى ثورة الطلاب عام 1968 التي تقدمها باسم «الماويين» ورومانسيات العنف - إذا صح التعبير - في القرن الماضي. وقد اختار الصحافة بإصدار «الأزمنة الحديثة»، انطلاقا من أن الفرد هو جزء من التاريخ، سلبا وإيجابا. وبرر الجمع بين الكتاب والصحافة بقوله: «الكتاب هو أنبل وأقدم أشكال التعبير، وعلينا أن نعود دائما إليه. ولكن، هناك الفن الأدبي في الإذاعة والسينما وكتابة المقال وكتابة التحقيق. علينا أن نتعلم التخاطب بالصور وأن نضع أفكارنا في هذه اللغات الجديدة».

سارتر هو الذي كان يقول: إن الكاتب موجود في عصره. ولم يبق الكثير من ذلك العصر خارج الإطار الثقافي المحدود. لماذا يبقى سقراط، وبهذه السرعة يزوي أثر سارتر؟ هل لأن الأول تحدث عن كل الأزمان وبقي الثاني في زمنه. أو بالأحرى في «الأزمنة الحديثة».