سائليني يا شام

TT

رسالة الـ«نيويورك تايمز» من دمشق يوم الاثنين، تتحدث عن دمشق. لا عن خطابات بشار الأسد حول «السرعة لا التسرع»، ولا عن تصريحات الجيش الحر. ودمشق التي تصفها الـ«نيويورك تايمز» مدينة تختنق بالحبال حول عنقها النزاري الجميل. مدينة حواجز وخنادق وجثث في الطرقات. وبسبب حرمة الموت لن أنقل المزيد. وأيضا احتراما لقدسية الحياة، ولنا في المدينة أصدقاء وأحباء لم نكن نعرف أو يهمنا أن نعرف هوياتهم، قبل أن تنقسم سوريا إلى مربعات ومستطيلات وأحلام مريضة بالتقسيم والتجزئة، وأفكار طاعونية كاستخدام أسلحة الفتك الأعمى.

وتماسيح العالم «تراقب عن كثب» كما راقبت في البوسنة، وفي رواندا، وجلست تتشاور في مجلس الأمن. وسيرغي لافروف لا يزال عند «مؤتمر جنيف»، فيما عاصمة سوريا تخاف أن تقتل من جبل قاسيون، الذي كان حارس الوادي من عوادي الغرباء. وجربوا أن تقرأوا «البرافدا» لتعرفوا أن السوفيات أحياء يرزقون وبلداء يكتبون بالحبر الذي يوزعه عليهم «قوميسار» الحرب، ومفوض الدعاية. فلا شيء يحدث في سوريا، كما يصر صادقو جريدة «الحقيقة». تماسيح في الغرب وتماسيح في الشرق، والتمساح الأكبر مجلس الأمن، الذي يعد الضحايا ثم يكتفي بأن يعددهم.

هل يقرأ الرئيس السوري المثقف وخريج بريطانيا، وزوجته التي لا يشار إليها إلا بالعلامة المميزة، أي أنها مولودة في لندن، هل يقرأان الـ«نيويورك تايمز» لكي يعرفا ماذا يحدث في دمشق، ما دام لم يصلهما ماذا حدث في حمص وحماه وحلب وبلاد المعري؟ وفي تلكلخ والقامشلي ودير الزور وجسر الثغور؟ لماذا يريد الرئيس الأسد أن يقاتل في دمشق أيضا؟ كان فيكتور هوغو يطلب من قرائه أن يشاهدوا باريس من أعلى تلة فيها من أجل أن يحبوها أكثر. من جبل قاسيون يتطلع الجيش العربي السوري إلى الشام ويقصفها كيفما اتفق. ولافروف يطالب باتفاق جنيف الذي خرج منه تماسيح الشرق والغرب يفسرونه، كل على هواه.

ينسى تماسيح الأمم - أو لا يعرفون - أن للضحايا أسماء وعائلات وقلوبا ومخاوف وأرزاقا. ونحن لنا في الشام أصدقاء وأحباء أسماؤهم في قلوبنا، ولا يهم أين تقع حاراتهم وأحياؤهم ومنازلهم الخائفة اليوم على أبنائهم وعلى أمهم الأولى، سوريا. «سرعة لا تسرع» قال الرئيس الأسد في بدايات الخطب الطويلة والمليئة بالحواشي كأنه يخاطب جهالا وأميين من الله عليهم برئيس وأستاذ معا. ولم يكن ذلك وقت الجمل المكررة. كان وقت المعاني والمشاعر والاقتراب من الناس والإصغاء إلى صوت الشام لا خطب السيد الرئيس. سائليني يا شام.