كيف تخفض مخاطر قراراتك؟

TT

لا يعلم كثير من الناس أن الرؤساء الأميركيين يتحاشون السفر مع نوابهم على طائرة واحدة، وذلك لتجنب وقوع مكروه للرئيس ونائبه، وهما على متن الطائرة نفسها. فحينما يتعرض الرئيس لحادث مأساوي فهناك إجراءات يحق للنائب اتباعها لإدارة دفة البلاد. وكذلك الحال مع طاقم ملاحي الطائرة، وتحديدا الكابتن ومساعده، والذين لا يتناولون الوجبات الغذائية نفسها، وذلك محاولة منهم لتجنب مخاطر الإصابة بخطر التسمم الجماعي، في مسعى منهم لتخفيض مخاطر تعريض حياة الركاب للخطر.

وفي عالم الاستثمار يدرس الطلبة في كل جامعات العالم مبدأ أصيلا وهو «لا تضع بيضك في سلة واحدة». وبحكم أنني أدير محفظة عقارية عالمية بما فيها من فنادق وعقارات استثمارية وسكنية وتجارية فإنني رأيت بأم عيني خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008م ثمرة «لا تضع بيضك في سلة واحدة»، فخفت تداعيات الأزمة على المحفظة بصورة كبيرة لأن قرار استثماراتها كان موزعا جغرافيا في أكثر من قارة.

وهناك مصطلح معروف في عالم إدارة المخاطر يطلق عليه «Risk Mitigation» أي تخفيض تداعيات المخاطر وذلك باتخاذ قرارات تنبع من مبدأ «لا تضع بيضك في سلة واحدة». ولذا فإن كثيرا من المؤسسات وبدعم من قيادييها أو الجهات الرقابية تضع اشتراطات في دليلها الإرشادي أو لائحة السياسات والإجراءات تلزم فيها العاملين في المنظمة باتخاذ إجراءات معينة تخفض من تعرض المنظمة لمخاطر. مثل «لا تسمح لفرد واحد بالتوقيع على شيك مصرفي إلا ويكون معه شخص آخر يعد توقيعه معتمدا من المصرف». ولذا نجد أن الجهات الرقابية في العالم تمنع الشركات من ممارسة أعمال ليست في صلب نشاطها، وهو أمر مبرر حتى لا تتعرض مصالح المساهمين للخطر، فالمساهم قبل الدخول في قطاع على أساس أنه يتمتع بمخاطر محدودة كالتعليم، فلا يجوز أن تستثمر الإدارة، مثلا، نسبة كبيرة من أصولها السائلة أو مدخراتها في أسهم، والتي تعد أحد أعلى أنواع المخاطر.

وحتى وإن لم يكن هناك قوانين رادعة فإن بعض القياديين يبادرون طواعية عبر حسهم الإنساني بتجنيب مرؤوسيهم المخاطر، إذ أذكر أن إحدى إدارات العلاقات العامة في شركة خليجية كانت تعتزم القيام بنزهة بحرية (يوم مفتوح) فرفض الرئيس التنفيذي الرحلة لأنه كان يخشى أن يضع كل الموظفين في سفينة واحدة. ربما في هذا شيء من المبالغة، لكن الاحتياط واجب. فكلنا يذكر حادثة تعرض لها أشهر فريق استعراضي لكرة السلة في العالم، نيوهارلم، الذي لقي حتفه في حادث طائرة أليم، لكنه كان محظوظا لأن صفا ثانيا مؤهلا من اللاعبين كان يجلس على دكة الاحتياط. وأذكر قبل أيام تعرض منتخب الكويت الوطني في إحدى الرياضات لحادثة سير حينما كانت حافلة كبيرة تنقل جميع الركاب.

وحتى على الصعيد السياسي نجد أن كثيرا من الوزارات والحكومات لا تضع لها صفا ثانيا، ليتابع المسيرة في حالة ما إذا حدث لهم مكروه، لا قدر الله، في رحلة أو حفل جماعي بخصوص تلك التي لا تتمتع بحراسات أمنية مشددة. وقد كتبت قبل مدة عن حادثة تحطم الطائرة التي راح ضحيتها الرئيس البولندي وزوجته وخمسون نائبا في البرلمان وعشرات الوزراء وقياديو الجيش في فاجعة وطنية أليمة.

إن ضرورة تقليل تداعيات المخاطر ليست كلاما إنشائيا نصفه هنا وهناك في أدبياتنا وقوانيننا ولوائحنا، بل هي تحذيرات أخوية وصادقة قبل أن تقع الفأس في الرأس.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]