«للبيع في متجرنا»

TT

للبيع: مفكرة سنوية مع قطعة نقدية خاصة، موضبة في ورق هدايا لمّاع. (1) ساعة رخامية محفور عليها اسمك. (2) خرائط رخامية (قاعدة للفناجين). (3) حزازير. (4) تاريخ البيسبول في أميركا. (5) مفكرة يومية تحمل اسمك. (6) كتاب للأطفال. (7) أزرار قمصان مع الأحرف الأولى من اسمك. (8) أزرار قديمة. (9) آلة كلمات متقاطعة. (10) قميص قطني.

هذه عشرة من بعض تذكارات تعلن عنها «النيويورك تايمز» في عددها الأسبوعي كل أحد، وهي ليست للبيع في مخازن المدينة، بل في دار الصحيفة. إنها مجرد مصدر دخل آخر لمواجهة غول الصحافة الإلكترونية الذي يلتهم صحف العالم، الواحدة بعد الأخرى. قبل عقدين سألت ناشر إحدى كبرى المجلات الفرنسية عن أوضاع المجلة التي نشأنا على الانبهار بها، فقال ضاحكا: «إننا نعيش على الهدايا التي نوزعها مع الاشتراكات».

هل يحق لأهم صحيفة في العالم أن تتحول إلى بائعة خردة؟ نعم. كل ما هو غير معيب، شرعي من أجل البقاء. قبل ثلاثة عقود كان العدد الأسبوعي من «النيويورك تايمز» مليئا بالإعلانات ويحتاج إلى مساعد يحمله معك. لم يعد حمله هما ولا مشكلة. انخفضت السوق الإعلانية في عالم الورق في كل مكان، وخوفي على الصحافة اللبنانية العالمية، في العقد المقبل، لأن الإعلان يهجر لبنان بصورة عامة، والقارئ عموما يهجر الورق والحبر، إلى فضاء سحري لا ورق فيه ولا حبر.

تميزت «الشرق الأوسط» بأنها صاحبة أكبر عدد من الطبعات الخارجية في تاريخ الصحافة العربية. وما زال في إمكانك أن تقرأ «طبعة نيويورك» قبل صدور الجريدة في لندن، بسبب فارق الوقت. وأعتقد أن عدد الطبعات العربية ومستوى التوزيع العام سوف يحميان الجريدة من غوائل الإنترنت إلى وقت مديد، علما بأن فائدتها من قارئ «العربي» صارت أيضا بلا حدود، تربطها بالقارئ في الصين وفي السنغال، أو في أي مكان يتعذر وصول الورق إليه مضمخا بالحبر.

الجيل الجديد، في كل مكان، هو جيل غير ورقي، ولا يعني له شيئا عطر الحبر أو حفيف الصفحات. كان أبي يقول مخففا من هم العمر: «الإنسان لا يعيش حياته وحياة غيره». عالم هذا الجيل هو عالم بيل غيتس وستيف جوبز. عندما بدأ الرحابنة الأغنية القصيرة بصوت فيروز، قيل إنهم سوف يفشلون. فشلت الأغنية الطويلة. حكمة الخلق أن يسير الناس إلى الأمام. لحق الإنسان الأول بالغروب معتقدا أنه سوف يضبط الشمس حيث تغيب، وفي الطريق إليها اكتشف بقية الأرض.