الكويت.. أي الخيارين؟

TT

هناك حيرة وتعجب بالغان في محاولة تفسير وفهم ما الذي يحدث في الكويت هذه الأيام. «تصعيد» كبير لأصوات المعارضة وحدة وجرأة في طرحها. هناك فريق عاقل من محبي الكويت لديه قناعة بأن ما يحدث الآن من مواقف بين موالاة ومعارضة تتخطى الأسباب المعلنة والمتعلقة بتفاصيل «فنية» عن أنظمة الانتخابات والتصويت المقترحة، وأن يكون هناك تغيير في وزن الصوت للناخب ودوائره من صوت واحد يؤدي فعليا إلى أربعة أصوات إلى صوت واحد لكل ناخب.

الكويت تعاني من أزمة تراكمية متعددة الأوجه يعود سببها بشكل مهم لحالة القلق وعدم الطمأنينة التي تسود ذهنية الشعب في البلاد منذ الغزو العراقي للبلاد. فإذا تم التمعن في المسألة الاقتصادية والتنموية تحديدا بالكويت لحصل استغراب كبير جدا؛ لماذا تقهقرت البنية التحتية للبلاد وتقلص حجم الإنفاق الحكومي رغم استمرار ارتفاع معدلات المداخيل التي تأتي مع بقاء أسعار النفط ضمن أرقام عالية، وكذلك غياب القطاع الخاص الكويتي المعروف بحراكه الاستباقي وفكره الجريء من الاستثمار داخل البلاد وتفضيله أن يكون توجهه كأولوية إلى الخارج سواء أكان في دول الخليج العربي أو الدول العربية أو آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية، بل إن الشهية الكويتية ذائعة الصيت والمعروفة والمتعلقة بالاستثمار السيادي في صناديق وشركات عالمية كانت الكويت فيها مميزة وسباقة على المستوى العربي وتمكنت من تحقيق عوائد مجزية وابتدعت ما عرف بصندوق الأجيال للاستثمار، وهو فكر سيادي استثماري مستقبلي جريء ومختلف، ولكن مع حدوث تحقيقات بحق الشخصيات التي كانت قائمة عليه حصلت انتكاسة كبيرة في أداء الصندوق، وتقلص أداؤه ودوره، وبرزت دول أخرى بوهج أقوى خطف من الكويت الأضواء كلها في هذه المسألة.

وحتى على المستوى السياسي عرف عن الكويت أنها دولة لديها مساحة من حرية الرأي، انعكس هذه الأمر بوضوح على إعلامها وآدابها وفنونها التي كانت تسبق منطقة الخليج العربي بمساحات هائلة، وطبعا انعكس ذلك على الحراك والحياة السياسية التي كانت الكتل النخبوية فيها تحاول بناء دولة المؤسسات، وخصوصا القضاء ومجلس الأمة، والاعتناء بمواد الدستور والدفاع الكثير عنها وعن شرعيتها. ولكن الكويت اليوم تعاني من طموح سياسي أن يكون لمجلس الأمة حق تشكيل الحكومة حتى تخرج من حالة الاختناق التي تعاني منها؛ لأن هناك قناعة كبيرة بأنه ما دام لم يتمكن مجلس الأمة من تشكيل الحكومة سيكون هناك صراع دائم على أصغر المسائل، معطلا مسيرة الحكم، والحكومة لديها قناعة بأن السماح لأغلبية مجلس الأمة بتشكيل الحكومة ستكون غايته زيادة تفتيت المجتمع وتمزيقه والتشكيك المتصاعد في الأطراف الأخرى بشكل خطير ومثير للفتنة. ودخلت في الكويت أطراف لافتة جميعها تؤثر على الحراك السياسي؛ فهناك «ثقل» القبيلة في الشارع السياسي لما لها من قوة وقدرة على التأثير في الرأي العام، وخصوصا إذا ما تم التدبر في كيفية دخول فكر «الإخوان» والسلفية كل من جهة مع التركيبة القبلية لإعطاء الطرح السياسي بعدا دينيا واجتماعيا لافتا، مع عدم إغفال أدوار المال والإعلام والطائفية كوسائل تأثير بحسب الفئة الاجتماعية المستهدفة، وهناك أيضا توجهات داخل الأسرة السياسية ما بين أجنحة حمائم وأجنحة صقور تحرك برلمانيين ورجال أعمال ورجال دين ورجال إعلام يتم تحريكهم لتأجيج الشارع وطرح ما يعتقدونه هم، ولكنهم يظلون بعيدا عن الظهور المباشر كأطراف رئيسية في الصراع السياسي الكبير.

المشهد الكويتي مقلق، لأن الموضوع لا علاقة له «بثورة جياع» أو «ضحايا العشوائيات»، ولكنه البحث عن مكاسب سياسية وإعادة توزيع حصص وكراسي بشكل جديد ومغاير، ولم تعد هناك مساحة كافية حاليا في الدستور الكويتي ولا في طريقة أداء مجلس الأمة لاستيعاب الطموح الجديد المنشود الذي تسعى إليه بعض جيوب الشارع السياسي بالكويت؛ ولذلك سيكون المخرج لحل هذا الاختناق «مبتكرا» جدا أو مكلفا جدا.

[email protected]