ما بعد الأسد

TT

علينا أن نقول إن نظام بشار الأسد يعيش مرحلته الأخيرة، وهذا ليس توقعا بقدر ما إن الوقائع على الأرض السورية تؤكد هذا مع تنامي الاعتراف الدولي بالمعارضة السورية كممثل شرعي للبلد، وهو الأمر الذي يؤكد حتمية سقوط نظام بشار الأسد بشكل نهائي.

وعلينا أن نفكر في مرحلة ما بعد الأسد؟ وعندما نقول نفكر فإنني أقصد بدول الجوار السوري وعمقه العربي، وعلينا ألا نكرر الأخطاء التي صاحبت سقوط نظام صدام حسين في العراق وما تركته من تداعيات كبيرة ليس على العراق فقط، بل في عموم المنطقة.

إن تأسيس وقيام نظام ديمقراطي في سوريا من شأنه أن يساهم كثيرا في استقرار المنطقة مع الأخذ بنظر الاعتبار بأن هنالك تشابها كبيرا جدا في بنية الدولة الأسدية والصدامية سواء العسكرية أو الأمنية أو الحزبية أو حتى في مناوراتها ما بعد سقوطها.

دول مثل سوريا الأسد وعراق صدام، دول بوليسية قائمة على مجموعة خطوط أمنية ما إن يسقط خط حتى يلد آخر، وتظل هذه الخطوط في تواصل مستمر، يضاف إلى ذلك كله العدد الكبير من المستفيدين من النظام والذين ستتضرر مصالحهم وهم ليسوا قلة يمكن تجاوزهم، بل هم مجموعة كبيرة ومؤثرة، ولمسنا ذلك بوضوح في التجربة العراقية التي عمدت في مراحلها الأولى لإقصاء هؤلاء فكانت النتيجة سلبية على الوضع الأمني، مع الأخذ بنظر الاعتبار دور الدول الإقليمية في دعم هؤلاء في التجربة العراقية.

ولكن قد نجد من يدعم بقايا الأسد من ذات الجهات الذي عمدت لدعم خصومه؟ قد يستغرب البعض هذا، ولكن الحالة والتجربة العراقية أثبتت لنا أن أشد الدعاة لإسقاط صدام قاموا فيما بعد بدعم فلوله ضد التجربة الديمقراطية في العراق.

مرحلة ما بعد الأسد تتطلب من الدول المجاورة لسوريا، بما فيها العراق، الاعتراف بالنظام السياسي الجديد والابتعاد عن الضبابية في الموقف، لأن النظام السوري لم يكن في يوم ما مع التجربة العراقية بل إنه ظل يناصبها العداء ويمرر الكثير من الإرهابيين للعراق ويحتضن بقايا النظام السابق ورموزه، ولم يتخل عن هذا إلا بعد اندلاع الثورة السورية وتقاطعه مع الكثير من التنظيمات المسلحة التي تحولت ضده بعد أن كانت لفترة قريبة تتدرب بإشرافه وتمول من قبله لأنها كانت تقاتل في العراق ولم يكن أحد يسأل: تقاتل من؟

ولهذا فإن على الحكومة العراقية أن يكون لها موقفها الثابت من القضية السورية والذي يتمثل باحترام خيارات الشعب السوري وما يقرر، خاصة أن شكل النظام السياسي القادم لسوريا لن يكون حكم الحزب الواحد، بل ستكون انتخابات ديمقراطية يهتم بها المجتمع الدولي، ولن تكون أغلبية لأحد على حساب الآخر، بل إن النسيج الاجتماعي في سوريا يشبه إلى حد كبير ما هو موجود في العراق وقد يزيد عن ذلك، وبما أن بوصلة الناخب السوري لن تنظر للبرامج الانتخابية بقدر نظرتها للتخندقات الفئوية والطائفية والمناطقية، وهو أمر طبيعي حينما تمارس الشعوب الديمقراطية لأول مرة فإنها تمارسها من خلال نظرتها القاصرة أحيانا كثيرة.

لهذا فإن شكل النظام القادم في سوريا سيكون ضعيفا جدا ولن تتاح له مهمة تصدير الفوضى لدول الجوار كما يتخوف البعض من ذلك، لهذا أقول إن على العراق أن يكون منذ هذه اللحظة جزءا من الحل في سوريا. وقد تكون الخطوة المطلوبة الآن هي السعي لأن يتهيأ الفكر السياسي العراقي الحالي لمرحلة ما بعد الأسد لكي نتجاوز مرحلة مهمة مر بها العرب قبلنا والتي تتمثل بصدمة السقوط. العرب مروا بهذه المرحلة يوم سقوط صدام ولم يفيقوا منها إلا بسقوط أنظمة أخرى بعد عقد من الزمن.