لماذا لا نتبع نصائح الأطباء؟

TT

يدخل المريض على طبيب القلب في العيادة، ويستمع الطبيب إلى شكوى مريضه ويفحصه ويُراجع مجموعة من نتائج فحوصات الدم وتصوير الأشعة وغيرها، ويجد أنه مُصاب بتضيقات في شرايين القلب، ويصف له مجموعة من الأدوية لعلاج حالته، ويُقدم له مجموعة من النصائح والإرشادات حول اتباع سلوكيات صحية في نمط حياته اليومية. ولأننا في موسم الإنفلونزا، ينصح الطبيب وبإلحاح مريضه بتلقي لقاح الإنفلونزا الموسمية لحمايته من الإصابة بها.

يخرج المريض لأخذ أدويته من الصيدلية، ويُقرر أنه لا داعي لتلقي لقاح الإنفلونزا الموسمية وليس عليه أن يستجيب لـ«وسوسة» الطبيب في احتمالات الإصابة بها وفي احتمالات تأثيراتها عليه حتى لو أصابته.

وتعليقا على قرار المريض هذا حول نصيحة الطبيب، صحيح أن اتباع إرشادات ونصائح الأطباء في معالجة الأمراض أو الوقاية منها شأن يخص المريض وحده، ولا يحق للأطباء «الضغط» عليه لتنفيذها أو اتباعها، لكن هل سأل هذا المريض نفسه: لماذا يحرص الطبيب على تبليغ المريض هذه المجموعات من الإرشادات والنصائح الطبية؟ بعبارة أخرى، إذا «تفكّر» أو «تدبّر» المريض في دواعي حرص الأطباء على تبليغ المرضى بتلك الإرشادات والنصائح، هل سيصل إلى نتيجة مفادها أنها «وسوسة» من الطبيب لا مبرر لها، أم هي بالفعل خلاصة تجارب الطب التي ينقلها له طبيبه حول كيفية حفاظ الناس على أرواحهم وحماية أجسامهم من الإصابات المعيقة لنشاطها وحيويتها؟

كلنا يحتاج إلى تأمل سيناريو هذه المشكلة، لأننا كلنا إما كنا في ما سبق في موقف كهذا، أو ربما سنكون كذلك، في أي وعكة قد تُصيبنا، ونحن كلنا نعلم علم اليقين أنه لا ولن يسلم أي إنسان على ظهر هذه الأرض من مرض قد يلم به في وقت ما من حياته.

لماذا قرر المريض عدم تلقي لقاح الإنفلونزا الموسمية؟ لا أحد يعلم، حتى المريض نفسه لو سألناه: هل لديك حجة أو إثبات على عدم جدوى تلقي لقاح الإنفلونزا الموسمية، فإنه لن يجد جوابا. إذن، وبلغة المنطق والفلسفة، أين سبب المشكلة؟ هل هو الثقة بالطبيب أو بالمعلومات التي يقولها الطبيب؟ أو هو كسل المريض عن القيام بما يجدر عليه القيام به نحو حماية روحه ونفسه؟ أو هو «علم» آخر يعلمه المريض مفاده أنه بالمقارنة بين تلقي اللقاح أو عدم تلقيه فإنه لا فرق في النتيجة؟

لو قلنا إن المشكلة هي في «الثقة» فإن هذا من المستبعد، لأن المريض هو من جاء بقدميه إلى الطبيب ولم يغصبه أحد على ذلك. ولو قلنا إن «الثقة» اهتزت بعد معاينة الطبيب له، فلماذا ذهب إلى الصيدلية لتلقي الأدوية الموصوفة له من قبل الطبيب؟ مسألة «الكسل» عن القيام بواجبات الحفاظ على الصحة يصعب حلها وتحتاج إلى نقاش طويل حول دواعيها، وهي مشكلة جذورها متشعبة في مجتمعات دون أخرى متقدمة، خاصة أن غالبية الذين «يكسلون» عن القيام بها لا «يكسلون» عن القيام بواجبات الحفاظ على استمرارية توفير الكهرباء أو الماء للمنزل ولا «يكسلون» عن تناول وجبات الطعام اليومية ولا «يكسلون» عن متابعة البرامج الترفيهية ولا «يكسلون» عن الكثير من أنشطة الحياة اليومية التي لا مجال لمقارنة أهميتها بأهمية الحفاظ على سلامة الصحة البدنية والنفسية.

الطبيب إنسان تعلم وتدرب ومارس مهنة الطب، ثم تصدى للقيام بمهمة إنسانية لمساعدة الناس في حماية أرواحهم ومعالجة أمراض أجسامهم ونفسيتهم. الطبيب إنسان يُتابع مستجدات نتائج البحوث والدراسات الطبية والعلمية التي تصدرها «ماكينات» البحث العلمي للأوساط الطبية المحلية والعالمية، ويحاول جهده أن ينقل إلى مرضاه أفضل وأوثق نتائج الإرشادات والنصائح الطبية المفيدة للناس وصحتهم وسعادة استمتاعهم بلحظات العمر التي يعيشونها والتي لا تعوض إذا فاتت.

في شأن لقاح الإنفلونزا الموسمية لمرضى شرايين القلب، ماذا نتوقع من الطبيب غير حرصه على تبليغ مريضه ضرورة تلقيه في كل عام ما دامت نتائج الدراسات الطبية العالمية تتوالى في نتائجها بالقول إنه سلوك صحي مفيد جدا للمريض في حماية حياته وسلامة قلبه.

وللمريض نقول إن تلقي لقاح الإنفلونزا الموسمية يُقلل من خطورة الإصابة بنوبة الجلطة القلبية أو السكتة الدماغية بنسبة 50 في المائة على أقل تقدير، وهذا ما تم التأكيد عليه من خلال دراستين طبيتين عالميتين تمت مناقشتهما مؤخرا ضمن فعاليات المؤتمر الكندي لطب القلب (Canadian Cardiovascular Congress). ودون استطراد، إحداهما دراسة مجموعة «تي آي إم يو» TIMU والتي تابعت لمدة عام واحد نحو 3500 شخص ممن فوق سن ستين سنة، بعضهم لديهم مرض القلب وآخرون لم يكن لديهم ذلك، ولاحظت أن من تلقوا لقاح الإنفلونزا الموسمية كانوا أقل عرضة للإصابة بنوبة الجلطة القلبية (heart attack) والسكتة الدماغية (stroke) بنسبة 50 في المائة، وأقل عُرضة بنسبة 40 في المائة لاحتمالات الوفاة بسببهما. وهو ما حدا بالباحثين القول صراحة إن «لقاح الإنفلونزا الموسمية هو بالفعل لقاح للقلب».

استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]