الجيش يؤجل جمع الشمل.. والاستفتاء في موعده

TT

رغم محاصرة قصر الرئاسة بالأسلاك الشائكة والحواجز الإسمنتية، نجح الرئيس محمد مرسي في فرض قراره بإجراء الاستفتاء على مشروع الدستور الذي أصدرته الجمعية التأسيسية في موعده. ورغم الدبابات والمدرعات التي وقفت أمام المتظاهرين الرافضين للدستور والمعتصمين حول القصر، فقد اضطرت القوى الشعبية على قبول المشاركة في الاستفتاء الذي قرر الرئيس إجراءه على مرحلتين؛ في يومي 15 و22 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ولأول مرة في تاريخ مصر يذهب شعبها للموافقة على دستور وضعته فئة واحدة من المجتمع بعد فشل محاولة لم الشمل التي حاول الجيش القيام بها.

فرغبة من قادة الجيش في حماية الوحدة الوطنية والتوفيق بين فئات الشعب قبل الاستفتاء، دعا وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي– الذي عينه مرسي قائدا للجيش ووزيرا للدفاع في أغسطس (آب) الماضي – ممثلي القوي الشعبية إلى الحوار للخروج من الأزمة السياسية. وأعلن المتحدث باسم القوات المسلحة عن الدعوة رسميا لاجتماع تحضرة القوى الوطنية – إلى جانب الإخوان – في حضور الرئيس، بالقرية الأوليمبية لقوات الدفاع الجوي في 12 ديسمبر. لكن الرئاسة، التي يبدو أنها فوجئت بهذه الدعوة، أسرعت بنفيها. ورغم نفي الرئاسة عاد اللواء محمد العصار نائب وزير الدفاع ليؤكد صحة الدعوة، مؤكدا في الوقت ذاته عدم رغبة القوات المسلحة التدخل في الأمور السياسية، وإنما هي تقوم بمحاولة لجمع شمل الأسرة المصرية. عندئذ أعلن مرسي عن قبوله حضور هذا الاجتماع، كما أكد وزير الدفاع أن الجيش لن يتناقش في السياسة أو الدستور وإنما هو مجرد لقاء على مائدة للغداء.

لكن الموقف لم ينته عند هذا الحد؛ فرغم قبول جبهة الإنقاذ الوطني وجميع الهيئات الشعبية دعوة القوات المسلحة إلى الحوار، وتوجه بعض المدعوين فعلا إلى مقر اللقاء بالقرية الأوليمبية للدفاع الجوي، أعلنت القوات المسلحة فجأة عن إرجاء دعوة جمع الشمل إلى أجل غير مسمى، بسبب ما قالت إنه – ردود الفعل التي لم تأت على المستوى المتوقع. وفي اتصال مع هذه الصحيفة قالت بعض المصادر المطلعة إن السبب الحقيقي وراء إرجاء دعوة الحوار التي وجهها الجيش، يرجع إلى ضغوط مارستها الرئاسة، بسبب رفض جماعة الإخوان المسلمين قبول الدعوة التي تعتبرها تشكل تدخلا من الجيش في السياسة. وبعد لقاء مع الرئيس، قرر وزير الدفاع مشاركة 120 ألفا من رجال القوات المسلحة مع الشرطة في حماية الأمن أثناء إجراء الاستفتاء، ونزلت المدرعات الحربية إلى الشوارع المصرية.

وبدلا من الاهتمام بالمشاكل الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منه شعب مصر، تؤدي هذه النزاعات السياسية إلى ازدياد معاناة الجماهير واقتراب الاقتصاد المصري من حافة الهاوية. فقد أكد حازم الببلاوي نائب رئيس الوزراء السابق أن الوضع الاقتصادي في مصر قد وصل إلى مرحلة في غاية السوء، وقال إن الدولة المصرية زادت من مديونيتها بحيث أصبح نصيب كل مواطن مصري 14 ألف جنيه من الدين، بما يتبع ذلك من دفع الفوائد. وفي ظل هذه الظروف الصعبة قرر صندوق النقد الدولي تأجيل موافقته على القرض الذي طلبته الحكومة المصرية بحوالي 5 مليارات دولار لسد العجز في الموازنة، مما زاد من قلق المستثمرين الذين أصبحوا يسارعون في الهرب من السوق المصرية.

كما أدت حالة عدم الاستقرار السياسي إلى زيادة الطلب على شراء الدولار مما نتج عنه ارتفاع سعره ليصل إلى 6.19 جنيه للبيع، محطما أسعاره القياسية السابقة. وحدث انخفاض كبير في الاحتياطي المالي للدولة، الذي وصل في نهاية الشهر الماضي إلى 15 مليار دولار فقط رغم الوديعة القطرية، كما انخفض معدل الإنتاج بشكل كبير. وفي هذه الظروف القاسية التي يعيش فيها المصريون، فقدت الشبكة الكهربائية حوالي 2500 ميغاوات من قدراتها، بعد توقف 6 محطات عن انتاج الكهرباء بسبب عدم توفير الوقود اللازم لتشغيلها.

ومع اقتراب موعد الاستفتاء على الدستور حذر محمد بديع مرشد الإخوان من وجود أياد خفية تحاول هدم المؤسسات الإخوانية المنتخبة، كما خرج شباب الثورة - قبل يوم واحد من بدء الاستفتاء على الدستور – في مليونية «لا للدستور»، رافعين صور قتلاهم الذين سقطوا من أجل الحصول على نظام ديمقراطي أفضل. وفي الوقت الذي لا يزال فيه شباب الإخوان معتصمين أمام المحكمة الدستورية العليا لمنع القضاء من النظر في القضايا المرفوعة ضد الرئيس، ولا تقوم الشرطة بحماية مدينة الإنتاج الإعلامي التي تحاصرها حركة حازم أبو إسماعيل, لمنع الإعلاميين المعارضين لمرسي من الوصول إلى الاستديوهات، تشكك التيارات المدنية في إمكانية إجراء استفتاءات نزيهة على الدستور. وفي الوقت الذي حذرت فيه جبهة الإنقاذ من تزوير نتائج الاستفتاء، وطالبت السماح بالرقابة المحلية والدولية غير الحكومية وإعلان النتائج في اللجان الفرعية فور الانتهاء من الاقتراع، قال ياسر برهامي – نائب رئيس الدعوة السلفية – إن أعضاءها مستعدون للجهاد في سبيل الله إذا حصل تغيير مواد الدستور.