هل لك بي من حاجة؟!

TT

اتصلت امرأة بمجلة (رؤى) تعرض نفسها للزواج مقابل أن تدفع لمن ترتضيه خمسة ملايين ريال، وتداول هذا العرض الآلاف على مواقع (النت)، وفيهم المؤيد وفيهم المعارض وفيهم كذلك المتهافت، وكنت أنا واحدا من ضمن هؤلاء، أقلب الأمر على مختلف الوجوه، وأقدم رجلا وأؤخر أخرى.

وأكثر ما أعجبني هو العرض الذي تقدم به الشاب (عادل باحشوان) من جازان، حيث إنه رغب فعلا في الاقتران بتلك المرأة وحسب كلامه: فإنه لن يأخذ ريالا واحدا مما عرضته، ولكنه سوف يوزعه على النحو التالي:

مليون ريال للوسيطة أو الخاطبة، والأربعة ملايين الباقية سوف ينشئ بها صندوقا لدعم الراغبين في الزواج من كلا الجنسين، وهو فقط يريد أن يحصن نفسه على حد قوله.

وللمعلومية فعرض النساء أنفسهن للزواج كان معروفا ولا غبار عليه عند العرب سواء قبل الإسلام أو بعده، ولم تتعقد الأمور إلا بعد أن سادت ثقافة (التنطع) في مجتمعات المسلمين.

والدلالة على ذلك يكفي أن أشرف النساء وهي أم المؤمنين الأولى (خديجة بنت خويلد)، هي التي خطبت رسول الله لنفسها، وبعثت تقول له: «لقد رغبت فيك لقرابتك، ومكانتك الرفيعة في قومك، وحسن خلقك، وصدق حديثك».

فذكر صلى الله عليه وسلم ذلك لأعمامه، فذهب به عمه أبو طالب إلى والدها (خويلد) وخطبها وتزوجها، فكانت هي نعم الزوجة وكان هو نعم الزوج، ولم يقترن في حياتها بأي زوجة أخرى، رغم أنها تكبره بخمس عشرة سنة.

كما أن هناك حادثتين بعد ذلك من عرض بعض النساء أنفسهن على رسول الله ولم ينكر ذلك.

فقد جاء في (الصحيحين) عن سهل بن سعد قال: «إن امرأة جاءت إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها صلى الله عليه وسلم، فصعد النظر وصوّبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقصد فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوّجنيها، فأقر زواجه عليها.

وفي حادثة أخرى: إن (الضحّاك الكلابي) عرض ابنته على رسول الله، وأخذ يعدد له مزاياها، وأهمها أنها صحيحة البدن ولم تمرض أو تصدع قط فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: لا حاجة لنا فيها.

وفي السيرة النبويّة: ورد أن بعض رجال الأنصار كانوا يعرضون نساءهم على المهاجرين دون خجل أو استحياء، لما فيه من شد الأواصر بينهم، فقد كانوا أنقياء ليس لديهم شك بنفوسهم.

وقال (الهيثم بن عدي): كانت النساء يجلسن لخطابهن، وأن رؤية الخاطب للمرأة هي وسيلة من وسائل الاختيار، وليست شرطا للزواج.

على أي حال أعود لموضوعي وأقول: إنني أكبر تلك المرأة التي قدمت ذلك العرض السخي، كما أنني أشيد بحكمة الشاب عادل وبعد نظره وأقول له: صحيح أن المعادلة انعكست، عندما (استجملت الناقة واستنوق الجمل)، فأصبح منها هي المال ومنك أنت العيال، وهذا يا عزيزي لا يهم على الإطلاق، طالما ظللت تصهل كالحصان، وتكون (كالتيس في قراع الخطوب).

[email protected]