الدستور في جمهورية «أبو علوة»

TT

الفرق بيني وبين الصديق عماد أديب، أنه خائف بينما أنا أرتعد خوفا. وفي حالات الخوف الشديد، تبدأ آليات التفكير عندي تأخذ مسارا يتسم بالخفة والرقة، فيتحول فيها عقلي إلى نسمات لطيفة تطير مثل الفراشات في أجواء الجو الوسطى والعليا، محدثة حالة من السرحان الجميل، يتراجع فيها الواقع بكل ثقله ونكده، مخليا الساحة لعالم الخيال الجميل. بذلك، أتمكن من حل كل مشاكلي، بل ومشاكل مصر، بل ربما ومشاكل العالم كله. وفي نوبة من هذه النوبات الجميلة، أخذت أفكر في أن هناك جمهورية باسمي، وهنا أذكر القارئ العزيز بأن «أبو علوة» هو اسمي الذي يعرفني به أصدقائي.

بعد رؤيتي للحشود التي تحاصر مدينة الإنتاج الإعلامي بقيادة الشيخ حازم أبو إسماعيل في صحراء مدينة 6 أكتوبر، مطالبة بتطهير الإعلام من الشوائب التي تعيق تقدمه أو بالأحرى نهضته، وبعد أن عرفت أنهم قاموا ببناء عدة دورات مياه في الحديقة المواجهة للاستوديوهات، وهو ما يؤكد أنهم قرروا الإقامة هناك لوقت طويل، وبعد أن رأيت بأم عيني بقرة ذبيحة معلقة وعرفت أن المتظاهرين بدأوا يستمتعون في هذا الجو البارد بحفلات الشواء (الباربيكيو)، أخذت أفكر في مواد الدستور الذي يجب أن أكتبه لجمهوريتي، دعني أكن صريحا معك، لست مهتما بحقوق الإنسان بشكل عام، بل بحقوق الإنسان المتظاهر المحتج الذي يحاصر استوديوهات المحطات الفضائية في مصر، والذي لا تؤرقه الآن فكرة أين يقضي حاجته، ولا تشغله فكرة ماذا سيأكل في العشاء. إن أهم ما يميز دستور أبو علوة، هو أنني أكتبه وحدي بغير لجان أو هيئات تأسيسية، ولن تكون له مسودات تستغلها المعارضة لإزعاجي، كما أن الشعب ليس مطالبا بالاستفتاء عليه، لأن الدستور دستوري، والمواد موادي، والشعب لا وجود له، أو إن شئت الدقة هو أنا، أنا أبو علوة.

مادة 1 - جمهورية أبو علوة جمهورية تعشق الفوضى، وتشجع الفوضويين على أن يكونوا أكثر فوضوية، والهدف من ذلك هو القضاء على الملل الذي انتاب الجنس البشري في هذا العصر السخيف، وهو الملل المصحوب بالاكتئاب نتيجة آلاف التشريعات والقوانين والقواعد التي تكبل حركة الإنسان المعاصر وتمنعه من الاستمتاع بحريته.

مادة 2 - المواطن الملتزم بحياته اليومية وما تفرضه من قيود، قيود العمل والأسرة وغير ذلك من ضرورات سخيفة معطلة، ليس مشمولا بحماية مواد هذا الدستور، لأنه تخلى أصلا وطواعية عن حقه في التظاهر ومحاصرة الأماكن المطلوب تطهيرها.

مادة 3 -ـ كل متظاهر يمارس الحصار ويطلب التطهير، من حقه على الدولة أن تصرف له عشرة جالونات من الديتول المطهر، أو أي مطهر آخر معتمد من وزارة الصحة، ويمكن زيادة الكمية بموافقة من وزير الصحة أو من ينوب عنه.

مادة 4 - لما كان من الصعب على الجماعات المحاصرة أن تقوم بذبح الذبائح الخاصة بإطعام المحاصرين في المجازر المعتمدة التي يحددها القانون، لذلك تلتزم الدولة، ممثلة في إداراتها البيطرية، بإرسال طبيب بيطري إلى الأماكن المحاصرة للكشف على الذبيحة والتأكد من أنها صالحة للاستهلاك الآدمي. والدولة ملتزمة في حال عدم صلاحيتها، بإمداد المتظاهرين بعجل بتلو، أو جاموسة، وفي حال عدم توافر ذلك، تتعهد وزارة التموين بتقديم عشرة ساندويتشات شاورمة أو خمسة همبرغر لكل متظاهر، ويمكن اللجوء لساندويتشات الفول والطعمية وأطباق الكشري في حالة الضرورة القصوى.

مادة 5 - البقاء لأيام طويلة في مكان واحد يشعر الإنسان بالتوتر والإجهاد العصبي وهو ما قد يدفع المتظاهر المحاصر المطهر لارتكاب حماقة تسيء إلى سمعته وسمعة المتظاهرين عموما، لذلك لا بد من ضمان حد أدنى من الترفيه والبهجة للمتظاهرين، وهو ما يجب أن تلتزم به الدولة، ممثلة في وزارة الثقافة ونقابة الممثلين ونقابة الموسيقيين، وذلك بإقامة عروض فنية يومية في أماكن الحصار في الهواء الطلق.

مادة 6 - على الدولة أن تمد كل المتظاهرين في حالات الحصار بالمرافق الضرورية التي تسهل مهمتهم، فهم في نهاية الأمر، ومهما كانت نقاط الاختلاف معهم، مصريون لا بد من احترام رغباتهم في التعبير عن أنفسهم، وهو ما يتطلب مد خط مياه لهم بشكل سريع من أقرب مصدر، لا داعي للمواسير الإسمنتية أو البلاستيكية، يمكن مد خراطيم من المطاط أو البلاستيك المرن، وإذا استمر الحصار لشهور الصيف الحارة، فعلى الدولة - أذكرك بأنها دولة أبو علوة - أن تقيم حمامات بأدشاش للمتظاهرين للحفاظ على نشاطهم فعالا، وعلى روحهم المعنوية عالية.

مادة 7 - كل الباعة الجائلين الذين سيظهرون في أماكن الحصار والمقاهي البلدي الصغيرة التي ستقام على عجل، تلتزم الدولة بإعفائهم من الالتزام بكل القوانين والقواعد المعمول بها في البلديات والمحليات بشرط أن يلتزموا بمهنتهم، ولا يشاركوا في الحصار حتى لا يختلط الحابل بالنابل. وفي حال اختلاط الحامل بالنابل، تكون مهمة الدولة، ممثلة في وزارة الداخلية، فصل الحابل عن النابل باستخدام النصح اللطيف، وتوعيتهم بأن اختلاطهم ليس في مصلحة مصر ولا مصلحة المصريين ولا مصلحة المتظاهرين. وإذا فشلت وزارة الداخلية في عملية الفصل بين الحابل والنابل، يعاد نصحهم وتوعيتهم وذلك بحد أقصى عشر مرات، فإذا حدث منهم إصرار على ذلك الاختلاط، تركوا وشأنهم منعا للخسائر في الأرواح والإصابات التي لا ضرورة لها، ويجب ألا ننسى أن الحابل والنابل كلاهما مصري، من حقه أن يكون حابلا أو نابلا.

مادة 8 - يوجد بين المتظاهرين المحاصرين عدد لا بأس به من طلبة المدارس والجامعات، وحرصا على مستقبلهم، على وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي أن ترسل لهم يوميا - يستحسن أن يكون ذلك نهارا - عددا من الأساتذة يدرسون لهم ما فاتهم حضوره من الدروس. إن التعليم حق من حقوق الإنسان تماما كالهواء والماء، وحتى إذا قيل إن الهواء ملوث والماء ملوث، فلا بأس بعدد من الدروس الملوثة طبقا لنظرية (نص العمى ولا العمى كله).

مادة 9 - في حال صمود المذيعين والإعلاميين المراد تطهيرهم وثباتهم في مواجهة الحصار لأكثر من أسبوع واحد، يتم تركيب أجهزة صوت عملاقة خارج المبنى المحاصر تذيع عبارات ضاغطة في حدود القانون مثل.. (حا تروحوا في ستين داهية)، (عامل جدع يا خويا انت وهو؟).. (طيب حا تشوفوا حانعمل فيكم إيه).. وتستمر هذه الإذاعة على مدار الساعة، وفي حال صمودهم يتم اللجوء لأساليب غير قانونية وغير دستورية.

مادة 10 - في حال حدوث حالات زواج بين متظاهر ومتظاهرة أثناء الحصار، تلتزم جهة الإدارة (رئيس الحي، رئيس المدينة، المحافظ) بمنحهما شقة مناسبة، وتلتزم الدولة، ممثلة في وزارة السياحة، بأن يقوم العروسان بقضاء شهر عسل على حساب الدولة، بحد أقصى نصف شهر داخل البلاد أو خارجها، في الساحل الشمالي أو تركيا صيفا، أيهما أرخص، وشتاء في شرم الشيخ أو أسوان، أو تصرف لهما مدفأة كهربية في حال نفاد البند المخصص لذلك أو عدم وجود ميزانية كافية أو عدم رغبتهما في السفر، أو اعتمادهما على التدفئة الذاتية.

مادة 11 - يتم العمل بموجب هذا الدستور بعد اعتماده من أبو علوة أو بعد نشره في الجريدة الرسمية أو عدم نشره في أي مكان.

هذا الدستور نافذ بذاته، ومحصن ضد الحرارة والرطوبة وضد الحريق والكوارث الطبيعية. ولا يجوز بحال من الأحوال الطعن فيه أو الاعتراض عليه.