أمسية مع الرئيس الظريف

TT

تحركنا من السليمانية إلى مدينة أربيل لنلتقي بمام جلال، رئيس الجمهورية العراقية جلال طالباني، في مبنى البيت الأبيض، المبنى المهيب من أربيل، مقر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وجدته في تمام الحيوية والنشاط وحدة الفكر وحضور البديهة، خلافا لما أشيع عنه من تردي صحته وتقادم سنه. قدمنا له تقرير هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق. قرأه واستوعبه في ثوان. ثم انطلق يعلق عليه: لا تخلطوا هذا الموضوع بالأمور السياسية وأحداث الساعة في البلاد. قال ذلك أثناء تأزم الأحوال في النزاع على كركوك، المنطقة النفطية.

كنت قبل ذلك، قد أوردت في كتابي «الظرف في بلد عبوس» فصلا عن ظرف مام جلال. وصفته بأنه الآن الرئيس الوحيد في العالم الذي يتميز بروح النكتة. ذكرته بذلك فتحولت الجلسة إلى مسرح من التنكيت والقفشات. سأل الحاضرين أن يجودوا بآخر ما سمعوه. ففعلوا. ورحنا نضج بالضحك والدعابة. حتى جاء دور الرئيس العراقي فروى كيف أنه خلال زيارته للصين حدثه المسؤولون فقالوا له إنهم في الصين تضيف المرأة الصينية طفلا جديدا في الدقيقة الواحدة. قال فقلت للمسؤول الصيني: مبروك عليكم. عندنا في كردستان تحتاج المرأة الكردية إلى تسعة أشهر لتعطينا طفلا واحدا.

وأخيرا دعانا للمشاركة في مأدبة العشاء التي ضمت طنجرة الباجة، الأكلة الشعبية العراقية. وقال: إذا أعجبكم أكلنا فلكم أن تطالبونا باستضافتكم مرة أخرى، وإذا لم يعجبكم فلكم أن تطالبونا بتعويضات.

قلت في نفسي: وهل بقي شيء من فلوس النفط في البنك المركزي ليدفعوا لنا أي تعويضات؟!

وكانت لنا أيضا جلسة لم تقل بلاغة ونفعا وطعاما زكيا مع السيدة الأولى للعراق، السيدة هيروخان. خاطبها أحد الحاضرين بهذا اللقب فاعترضت ومدت يدها لتسكته احتجاجا على استعماله لقب «السيدة الأولى». قالت: لا أريد ذلك لأنه يذكرني بلقب «الملجية»، الكلمة التي يطلقها الجمهور على زوجة الملا. فضحكنا معها بما جعلني أفكر: من هو مصدر الوحي الفكاهي في العراق اليوم، رئيس الجمهورية أم السيدة «الملجية» زوجته؟!

السيدة هيروخان امرأة تنافس زوجها بسعة الاطلاع وتوقد الذهن. تلقفت فورا الاقتراح لتسخير الموسيقى لمهمة توحيد الطوائف العراقية.. فهذا البلد يتميز بتعدد طوائفه الدينية بما يفوق أي بلد في العالم بالنسبة لعدد سكانه. يمتد تاريخ بعض هذه الطوائف إلى ما قبل المسيحية، بل وما قبل ظهور موسى عليه السلام. يتعرض بعضها الآن إلى اضطهاد مشين وقمع لتراثهم وطقوسهم. وفي السعي لدعم هذه الطوائف تمسكها بهويتها، تبنت السيدة هيروخان فكرة تأليف عمل موسيقي سيمفوني يتضمن نماذج من أغاني وتراتيل هذه الطوائف في وحدة فنية تجسم وحدة العراق وتعايش أديانه وطوائفه وقومياته.