الإخوان.. الظاهر والباطن

TT

حال مصر السياسي مقلق وحزين. نظام جديد جاء على أجنحة من الأمل والفرح ودعاء الملايين الراغبين في بدء صفحة جديدة تبني فيها بلادهم جسورا من الإنجازات للوصول إلى مستقبل أفضل.

كان حسن الظن في أوجه بعد ثورة شبه مثالية جاءت بعدها أحداث غريبة ومتلاحقة أوصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، وجاء مرسي (ولم يكن هو المرشح الأول لجماعته التي لم يكن لها أساسا دور في صناعة الثورة) رئيسا لمصر، وبدأت سلسلة من السياسات والقرارات والتوجهات التي مزقت البلاد وشعبها إلى شيع وفرق متناحرة، والكل بات على يقين بأن زمام الأمور حقيقة في يد مرشد جماعة الإخوان وفريقه المساند أكثر مما هو في يد رئيس الجمهورية نفسه، ولذلك قد يبدو من المناسب مخاطبة الرجل بشكل مباشر.

جئتم إلى رأس السلطة في البلد العربي الأكبر عن طريق منظومة وآلية سياسية هي الديمقراطية التي كنتم (وحلفاؤكم) تكفرونها إلى زمن قريب. هذا المشهد ذكرني بحالة الانفصام النفسي المرضي (الشيزوفرينيا) التي يعاني منها الإسلام السياسي بشكل واضح، والمتمثلة في سلسلة من السلوكيات المتضاربة والمتناقضة بين الباطن والظاهر، ليكون القائم بها وفاعلها أقرب لصورة المنافق، وهذا منبع خوفي وقلقي، أن يظهر من يمثلون «الدين» بهذا المظهر. لأن المنافق في الشرع هو الذي يظهر غير ما يبطن، كما أن من الصفات المعروفة مرض القلب «في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا»، وكذلك أيضا الظن السيئ بالله «ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا». فالخطاب الإلهي في وصف المنافقين وضررهم وسماتهم دقيق، ولم يكن الإكثار من الوصف هذا عبثا لا سمح الله، ولكن ليحذرنا من الفتن التي تأتي من اللعب باسم الدين استغلالا للمصالح، فالله سبحانه وتعالى غيور على دينه العظيم.

ويدخل في الأوصاف والصفات أيضا التستر والتغطي ببعض الأعمال الشرعية والمشروعة للإضرار بالمؤمنين «والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون». وطبعا هناك نهج «التفريق وإشعال الفتن والدس والوقيعة وتكبير هوة الخلافات وشق الصفوف (بصورة مباشرة أو غير مباشرة)»، وطبعا مع عدم إهمال أن كل ذلك يتم عادة تحت راية دعوة الإصلاح «وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون»، و«وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها». لا يمكن أن يكون اللجوء للدين إلا مصدر خير وخير عظيم، وبالتالي أن يتحول الحكم باسم الدين إلى مصدر فتن وقلق ومشاكل فهذا يؤكد أن هناك خللا في النوايا وسوء تطبيق واضحا يستدعي وقفة مطلوبة للقائمين على خطاب الجماعة في مصر عموما والمنطقة خصوصا، فالمنطقة تتأجج وسط خطاب ديني متوتر يقسم البلاد بين مؤمنين وكفار، خصوصا أن «الإخوان المسلمين» تحالفوا مع مجاميع دينية منغلقة بفكر متشدد لا يعرف الوسطية ويسهم عن طريق الوجود الإخواني المنتشر في استغلال نشر هذا الفكر المتنطع.

هذا الجو ولد حالة من القلق والشك في بعض المتدينين العاملين في المجال السياسي مع الأسف الشديد، لأن الناس باتت ثقتهم مهزوزة في من يأتي بالقول الجميل في طرحه، فيذكر قول الله الحق سبحانه وتعالى «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام»، حتى ولو أبدى أهم مظاهر الاهتمام والمتابعة، لأن ذلك نوع من الخداع «ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم».

والحديث الشريف للرسول (صلى الله عليه وسلم) يوضح صفات المنافق بوضوح: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان»، وهي مسائل نراها اليوم بشكل مدهش.

المؤمن الحق لا يعرف حالة الانفصام السلوكي، فظاهره هو باطنه لا تناقض بينهما أبدا، وهي مسألة كرر ذكرها رسولنا الكريم (عليه الصلاة والسلام) حين قال: «ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما وإن تقوى الله توقّي مقته وتوقّي عقوبته وتوقّي سخطه».

سمحت التحالفات التي أقامتها جماعة الإخوان المسلمين بوصول مراهقين في العلم الشرعي ليتطاولوا على مرجعية الأزهر الأهم في العالم الإسلامي، مقدمين فتاوى تشق صفوف المسلمين وتثير الفتنة والضغائن وتهز من السلم الاجتماعي وتفتح باب الفتن.

المرشد من موقعه كمسلم عليه وبضمير مراجعة تامة للنهج الذي تسير عليه الأمور في مصر وفي المنطقة العربية (هل يرضيه أن يستمر ضخ الغاز لإسرائيل ويتم إيقافه عن الأردن لإحراج الحكومة فيها دعما للمعارضة الإخوانية مثيرا بالتالي القلاقل والمشاكل؟). المسألة باتت بحاجة لوقفة شجاعة يراعى فيها الله سبحانه وتعالى أولا وأخيرا، ورأس الحكمة دائما مخافة الله.