مستقبل واعد ينتظر العلاقات الليبية ـ البريطانية

TT

مرت ثلاثة أشهر على آخر حديث لي عن ليبيا، لذا أرى أن هذا هو الوقت المناسب لتأمل المستقبل مع تعيين سفير ليبي جديد. قدم محمود الناكوع، السفير الليبي الجديد لدى المملكة المتحدة، أوراق اعتماده إلى الملكة إليزابيث الثانية يوم الخميس الماضي، وأشاد بالدعم الذي قدمته المملكة المتحدة لليبيا. وأوضح خلال حفل الاستقبال الذي أقيم في فندق «لانسبورو» ذي الخمسة نجوم في لندن قائلا: «إنه لشرف أن أكون أول سفير ليبي لدى المملكة المتحدة بعد سقوط النظام القديم. كذلك إنه لشرف عظيم لي ولزوجتي ولزملائي أن يقابلوا الملكة عند تقديم أوراق الاعتماد»، كذلك أثنى الناكوع على كل من شارك في الثورة وقال: «أود أن أستغل هذه الفرصة لأعبر عن تقديري للدعم الكبير الذي قدمته الحكومة البريطانية لليبيا».

وقال سيادته إنه سيوظف كل مهاراته ووقته من أجل تدعيم العلاقات بين طرابلس ولندن، مشيرا إلى أنه يرى مستقبلا واعدا ينتظر البلدين.

إن الظروف تتحسن في ليبيا، حيث تحسنت السيولة المالية على المدى القصير بفضل قرار لجنة العقوبات بالأمم المتحدة بإلغاء العقوبات المفروضة على البنك المركزي الليبي وذراعه التجارية نهاية العام الماضي. وتلتزم ليبيا بالحد من الفساد، ووقعت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. وتنظر ليبيا في التوقيع على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

ويقود البنك الدولي وصندوق النقد الدولي محاولات لدعم تعافي الاقتصاد وتحسين الأحوال الاقتصادية في ليبيا. وأكدت السلطات الليبية الجديدة مرارا وتكرارا ترحيبها بالشركات الأجنبية في ليبيا. لقد قوضت الحرب الأهلية، التي شهدتها ليبيا، الاقتصاد بسبب توقف إنتاج النفط، الذي يعد المصدر الأساسي للدخل، لكن شهد الاقتصاد الليبي انتعاشا كبيرا عام 2012، حيث من المتوقع أن يبلغ نمو إجمالي الناتج القومي 121.9 في المائة بحسب صندوق النقد الدولي، بعد أن كان 59.7 في المائة عام 2011.

ومع بداية عملية إعادة الإعمار، من المتوقع أن يشهد إجمالي الناتج القومي نموا بنسبة 9.5 في المائة عام 2013. وتعزز الأداء الاقتصادي خلال عام 2012 بفضل استئناف إنتاج النفط وتراجع تضخم أسعار السلع الاستهلاكية بشكل أسرع من المتوقع من 15.9 في المائة إلى 10 في المائة، وهي النسبة المتوقعة لعام 2012. ومن المتوقع أن ينخفض عام 2013 إلى 0.9 في المائة. يؤدي التضخم إلى تآكل القوة الشرائية ولا بد أن تراجعه سيساهم في استعادة الانتعاش الاقتصادي. مع ذلك، لا يزال صندوق النقد الدولي قلقا من استمرار حالة عدم الاستقرار في البلاد والقيود على ازدهار القطاع الخاص وعدم تشجيع المواطنين المغتربين على العودة إلى وطنهم. ويذكر آخر تقرير لصندوق النقد الدولي عام 2012: «يجب استعادة الأمن قريبا، والعودة بإنتاج الهيدروكربون إلى مستويات ما قبل عام 2011، والحفاظ على الالتزام المالي، وإعادة إحياء النظام المصرفي، والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي».

دائما ما كان للقتال المستمر تأثير كبير على مستوى المعيشة والخدمات العامة الأساسية وفرص العمل. وما سيحدد مستقبل ليبيا هو قدرة الحكومة على ضمان الاستقرار السياسي وتشجيع الإصلاح الاقتصادي الشامل. من أفضل الطرق لتحسين مستوى المعيشة وتحقيق الاستقرار السياسي زيادة فرص العمل. ومواجهة الجماعات المسلحة أمر ضروري لترسيخ سيادة القانون في ليبيا، لكن التركيز على التصدي لهم فقط ليس كافيا، حيث ربما يكون نهج التغلب على مصدر القوة المسلحة من خلال السيطرة على السلاح، وذلك بمنح عناصر الجماعات المسلحة فرصة لتسليم أسلحتهم مقابل الحصول على مكافآت تؤمن لهم مستقبلهم، نهجا واعدا مثمرا. ويجب أن يكون احتواء عناصر الجماعات المسلحة من خلال تأهيلهم ليكونوا عاملين ماهرين وإعادة دمجهم في المجتمع المدني، من الأولويات. وقد يوفر مجال البناء وما يرتبط به من خدمات صيانة مستمرة فرص عمل مناسبة. وينبغي أن تتضمن عقود البناء تزويد العمال الليبيين بتدريب فني وتعليمهم المهارات المناسبة. ويجب كذلك توفير تعليم الكومبيوتر للأطفال الليبيين.

سوف يعزز نشر تعليم اللغة الإنجليزية، التي تعد لغة الأعمال، عملية إعادة التأهيل المستمرة للاقتصاد. وتتطلع البعثات التجارية إلى زيارة ليبيا الآن لاستكشاف فرص العمل المتاحة في الدولة التي تحررت من الاستبداد. وزارت وفود تجارية من المملكة المتحدة وإيطاليا وتركيا وفرنسا والدنمارك والهند ليبيا خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهناك زيارات أخرى مرتقبة مثل زيارة بعثة «ميديل إيست أسوسيشين» البريطانية في مارس (آذار). وأعلنت كل من مؤسسة «بريتيش إيكسبرتايز» و«ميديل إيست أسوسيشين» و«مونتغمرى ليبيا» والوكالة البريطانية للتجارة والاستثمار، عن تدشين بعثة لإعادة إعمار ليبيا وفي مجالي النفط والغاز الليبي في أبريل (نيسان) عام 2013. وأحثّ شركات التدريب على الانضمام إلى هذه البعثة. من أهم الأمور بالنسبة لهذه البعثات تأكيد الرئيس الليبي، محمد المقريف، حصول شركات المقاولات الأجنبية على مستحقاتها المالية حتى عن الفترة التي عملت فيها خلال عهد القذافي. وينبغي أن يُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها دعما إيجابيا لمحاولات ليبيا الشروع في عملية إعادة الإعمار بعد الثورة والمضي قدما في أعمال البنية التحتية ومشروعات التنقيب. سيعمل هذا التأكيد على بناء الثقة رغم وجود مخاطر تتعلق ببداية سباق دولي للحصول على أفضل العقود. ما لم يكن هناك برنامج شامل متوافق عليه مع ضوابط تضمن الجودة، لن يفيد كل هذا من يبحثون عن فرص ولن يساعد على تحقيق تنمية مناسبة. ليبيا عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتم استئناف إنتاج النفط حيث عاد تقريبا إلى مستواه قبل الحرب. ووصل حجم إنتاج النفط الخام إلى 1.6 مليون برميل يوميا بعد أن توقف خلال الثورة. ويمكن لليبيا أن تستمر من خلال جولة جديدة للتنقيب عن النفط وإبرام اتفاقيات إنتاج خلال الفترة الانتقالية الحالية رغم قول وزير النفط الجديد، عبد الباري العروسي: «الأولوية الآن للحفاظ على مستوى الإنتاج عند مستواه قبل الحرب، والأهداف المستقبلية».

حركة السفر ضرورية من أجل استعادة الازدهار في القطاع الخاص. وسيعلم قرّاء هذا العمود أنني دائما ما أثني على مجهود القطاع الخاص بوصفه عاملا أساسيا في النجاح الاقتصادي المستمر. لذا من المشجع رؤية استئناف العمل في شركتي الطيران المملوكتين للدولة، وهما «الخطوط الجوية الليبية» و«الخطوط الجوية الأفريقية»، اللتان طالما استمتعت بالسفر معهما في رحلاتي من لندن إلى طرابلس والعكس. وينصب تركيز الشركتين على ربط الشركاء الاقتصاديين والسياسيين حول البحر الأبيض المتوسط، مثل تركيا، بالشرق الأوسط وبريطانيا.

استأنفت شركات الطيران العالمية رحلاتها إلى ليبيا عام 2012. وكانت الخطوط الجوية الإيطالية أول شركة طيران في الاتحاد الأوروبي تستأنف رحلاتها إلى طرابلس في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011. وسارعت الخطوط الجوية التركية إلى استئناف رحلاتها إلى ليبيا بعد الثورة وبدأت بالرحلات الآتية من إسطنبول ومتوجهة إلى بنغازي في سبتمبر (أيلول)، ثم استأنفت الرحلات إلى طرابلس في وقت لاحق من ذلك الشهر. وهناك رحلات يومية لشركة «مصر للطيران» يوميا بين القاهرة وطرابلس وبنغازي. وهناك حاليا رحلات للخطوط الجوية القطرية من الدوحة إلى بنغازي ثلاث مرات أسبوعيا ويومية من طرابلس عن طريق الإسكندرية. وزادت الخطوط الجوية الألمانية رحلاتها من فرانكفورت إلى طرابلس والعكس خلال شهر أبريل عام 2012 بحيث أصبحت يومية بعد أن كانت ثلاث مرات أسبوعيا. وهناك رحلات للخطوط الجوية البريطانية ثلاث مرات أسبوعيا من مطار هيثرو إلى طرابلس. وتقدم الخطوط الجوية الأردنية، وهي أحد أعضاء تحالف «وان وورلد»، رحلات يومية بين عمان وطرابلس. لذا الباب مفتوح على مصراعيه للأعمال والتجارة. سوف يدعم توفير فرص عمل جيدة بتدريب مهني متخصص أول حكومة ليبية منتخبة ويعينها على تحسين الوضع الأمني واستعادة ثقة المستثمرين الأجانب. لقد نجحت عملية إعادة التأهيل في بلدان أخرى، وأشعر أن ليبيا ينتظرها مستقبل باهر. وأشارك السفير الليبي الجديد لدى المملكة المتحدة اعتقاده بأن مستقبلا واعدا ينتظر بلدينا.

* أستاذ زائر في كلية إدارة الأعمال بجامعة «لندن متروبوليتان» ورئيس مؤسسة «ألترا كابيتال».