عودة مستثمري الصناديق إلى البورصات العالمية بحذر

TT

أدت التقلبات التي تقض مضجع المستثمرين منذ عامين على الأقل إلى تصحيح مسار آخر في البورصة خلال الربع الثالث من هذا العام، حيث تلا التراجع الذي وقع في الربيع الماضي ارتفاع كبير في الصيف قاد المؤشرات ذات الشعبية إلى أعلى مستوياتها في 5 أعوام على الأقل، واستقر مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» عند مستوى 1440.67 نقطة بنهاية الربع السابق، ليسجل ارتفاعا بنسبة 5.8% خلال هذه الفترة و14.6% منذ بداية عام 2012، وذلك بفضل جرعة أخرى من العلاج الجذري التي قدمها مسؤولو المصارف المركزية، في صورة تعهدات بضخ مبالغ مالية ضخمة - وفي بعض الحالات غير محدودة - في شرايين الاقتصادات المختلفة حول العالم. وكان من الممكن أن يخفف ذلك من قلق المستثمرين، ولكن بعد أن بدا أن الأدوية السابقة لم تحقق فائدة دائمة تذكر بالنسبة للنمو الاقتصادي أو عوائد الأسهم، فإن بعض المستشارين لا ينظرون إلى الخطوات الأخيرة على أنها علاج بقدر ما ينظرون إليها على أنها رحلة ناجحة إلى غرفة الطوارئ، مؤكدين أنه لا الاقتصاد ولا البورصة قد تجاوزا مرحلة الخطر بعد.

ويتساءل هنري هيرمان، وهو الرئيس التنفيذي لشركة «واديل آند ريد» لإدارة صناديق الاستثمار، عما إذا كان المستثمرون «سيرغبون في العودة إلى البورصة في هذه المرحلة الحرجة». وتابع قائلا: «هناك إحساس متزايد بأن الأمور لن تصبح كارثية بقدر ما كان مفترضا في السابق، إلا أنني أرى أن السوق سوف تواجه المزيد من المشكلات، وهذا في الغالب سوف يكبح حركة صعود أكبر بكثير». ويتفق الكثيرون مع مخاوفه هذه، ومما يزيد من هذه المخاوف استحالة قياس وعود التحفيز النقدي الأخيرة، بما في ذلك الجولة الثالثة من سياسة التسهيل الكمي التي أعلن عنها مجلس الاحتياطي الفيدرالي في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث اعتمد مجلس الاحتياطي الفيدرالي خطة لشراء ديون رهن عقاري بقيمة 40 مليار دولار شهريا إلى أن يصبح الاقتصاد قادرا على مواصلة الحركة بمفرده.

وهذا الارتفاع في أسعار الأسهم يوحي بأن الكثير من المستثمرين سوف يجيبون بـ«نعم» على السؤال الذي يطرحه هيرمان، إلا أن البعض - مثل جوشوا سيلفا، وهو كبير خبراء المحافظ الاستثمارية في شركة «أتالوس كابيتال» - يحرصون أيضا على مراقبة مؤشرات التضخم عن كثب حتى يتنبهوا عندما يحين وقت القفز مجددا من السفينة. ويتوقع سيلفا: «سوف تشهد الأسهم نهاية رائعة لهذا العام. أعتقد أن الناس ينبغي أن يتوجهوا إلى الأسهم والمخاطرة التي تهدف إلى تحقيق ربح من ارتفاع الأسعار في المستقبل». إلا أنه يضيف ملحوظة تحذيرية: «لقد مضى العالم وخلق مكبس طباعة عملاقا، وهذا المكبس سوف يعود إلى فرمنا خلال الـ6 أشهر إلى الـ24 شهرا القادمة».

وقبيل إعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن جولته الجديدة من التسهيل الكمي، قدم المصرف المركزي الأوروبي تعهدا مفتوحا بشراء السندات الحكومية لأي بلد من بلدان منطقة اليورو يطلب إنقاذا، ولكن هناك مشكلة هنا: فالمصرف ملتزم بتثبيت عمليات شراء السندات، بما يعني أنه أمام كل 100 يورو يشتريها من الدين الإيطالي أو الإسباني أو أي دين كان، فإنه سيبيع نفس القدر من السندات المسجلة في دفاتره من بلدان ذات جدارة ائتمانية أعلى مثل ألمانيا أو فنلندا أو هولندا.

وكما هو الحال مع الجولة الثالثة من سياسة التسهيل الكمي، فإن خطة المصرف المركزي الأوروبي تعتبر نبأ جيدا بالنسبة للأسواق اليوم، ولكن من الممكن أن تتحول إلى نبأ مفزع في المستقبل، وبذلك بحسب ما ذكره دينيس ستاتمان، وهو المدير المشارك لصندوق «بلاك روك غلوبال ألوكيشن»، الذي أضاف: «لا يوجد أي دليل دامغ على أن ما فعله المصرف المركزي الأوروبي قد صحح الأساسيات الاقتصادية في أوروبا. إن تقليل التكاليف المالية مؤقتا لا ينهي المشكلة، بل يقلل فقط من مستوى الخوف في الأسواق». وفي رأيه أن المنطقة تعاني من «تشتت شديد في التنافسية والسياسات المالية والمواقف السياسية تحت مظلة عملة واحدة». وهذا الإجراء لم يبهر أيضا كومال سري كومار، وهو كبير الخبراء العالميين في شركة «تي سي دابليو غروب»، حيث أوضح قائلا: «إن إعلانهم عن شراء كمية غير محدودة من السندات أدى إلى تراجع عوائد البلدان المتوسطية». إلا أنه يضيف أن مسؤولي المصارف المركزية إذا استمروا في عمليات الشراء المثبتة هذه: «فقد ينفد ما لديهم من الأوراق الألمانية. وإذا لم يتحقق ما يكفي من العوائد، فما الذي سيبيعه المصرف المركزي الأوروبي؟».

ويقول مستشارو الاستثمار إن هناك مشكلات محتملة أخرى تم إسقاطها أيضا من قائمة المخاوف الملحة لدى وول ستريت، ومن بين هذه المشكلات التباطؤ الذي أصاب الاقتصاد الصيني واقتراب «الهاوية المالية»، التي يمكن فيها أن تؤدي خطط خفض النفقات ورفع نسب الضرائب في الولايات المتحدة - ما لم يتحرك الكونغرس - إلى تراجع معدل النمو بما يصل إلى 4 نقاط مئوية. ولكن في الوقت الراهن، فإن الأمور ما زالت تسير على ما يرام بالنسبة لبورصات العالم والصناديق التي تستثمر فيها، إذ ارتفع صندوق السندات العامة المحلي العادي في قاعدة بيانات شركة «مورنينغ ستار» بنسبة 5.6% خلال الأشهر الـ3 المنتهية في سبتمبر الماضي، كما ارتفعت الصناديق المتخصصة في الأسهم الأوروبية بنسبة 8.4%، وبلغت مكاسب كل من الصناديق الآسيوية وصناديق الأسواق الناشئة 5.1% و8.6% على الترتيب. وبعد الوصول إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق بنسبة 1.43% في شهر يوليو (تموز) الماضي، ارتفع عائد أذون الخزانة لأجل 10 سنوات ارتفاعا مطردا خلال الفترة المتبقية من الربع المنصرم، مما أدى إلى انخفاض أسعار السندات ذات التصنيف المرتفع، لتحقق صناديق السندات الحكومية طويلة الأجل أقل نسبة ربحية وهي 0.1% خلال ذلك الربع، إلا أن قوة السندات الأجنبية والسندات ذات العائد المرتفع ساعدت على تحقيق عائد بنسبة 2.9% لصندوق السندات العادي على وجه العموم.

وبعيدا عن الاعتقاد في قدرة مسؤولي المصارف المركزية على إنقاذ الاقتصاد العالمي، فإن هذه القوة في أداء الأسهم وصناديق الأسهم يمكن عزوها إلى استمرار قوة الأساسيات المالية للشركات - صحيح أن النشاط التجاري قد لا يكون سهلا في هذا الاقتصاد، إلا أنه جيد من محكات كثيرة. ويقول جون باكنغهام، وهو الرئيس الاستثماري لشركة «آل فرانك لإدارة الأصول»: «لدينا أسعار فائدة بالغة الصغر وتقييمات معقولة وعوائد سخية لتوزيعات أرباح الأسهم، كما أن الشركات تتمتع بأوضاع مالية قوية، والأرباح تقترب من أعلى مستوياتها على الإطلاق». وأشار الرجل إلى أن «الكثير من المستثمرين ظلوا مختبئين» في قطاعات مثل قطاعي المنافع والاتصالات لها سمعة في تحقيق توزيعات أرباح أسهم كبيرة، وقد نتج عن هذا تقييمات أسعار تقترب من أعلى مستويات لها منذ عدة سنوات. وهو يفضل الأسهم التكنولوجية الكبيرة مثل سهمي «سيسكو سيستمز» و«مايكروسوفت»، اللذين يحقق كل منهما عوائد تتراوح حول 3%، وكذلك سهم «إنتل»، الذي يحقق عائدا يبلغ نحو 4%، بالإضافة إلى أسهم الموارد الطبيعية مثل سهمي «نيومونت للتعدين» و«دياموند للحفر البحري». وهو يرى أيضا أن شركات متنوعة بقدر شركات «نورفولك الجنوبية» و«هاسبرو» و«رويال كاريبيان» جاذبة للغاية، وأحد الأسباب وراء ذلك هو توزيعات أرباح الأسهم التي تقدمها.

وتبين النتائج التي توصلت إليها شركة «مورنينغ ستار» أن الصناديق التي تتخصص في أسهم الاتصالات ارتفعت بنسبة 9.3% خلال الربع الماضي، في حين شهدت صناديق المنافع ارتفاعا بنسبة أقل بلغت 3.7%. وكان من بين القطاعات الأخرى التي حققت مكاسب قوية قطاع الموارد الطبيعية (الذي ارتفع بنسبة 9.8%)، وقطاع الطاقة (الذي ارتفع بنسبة 8.5%)، وقطاع الخدمات المالية (الذي ارتفع بنسبة 7.2%). ويعتبر سيلفا أيضا أن الأوان قد فات لمطاردة المشتبه فيهم المعتادين الذين يلجأ إليهم المستثمرون بحثا عن عوائد مرتفعة، مضيفا: «لقد كانت الأسهم التي تدر توزيعات أرباح أسهم مرتفعة تجارة رائعة في وقت سابق من هذا العام، إلا أنها بدأت تتحول إلى تجارة مروعة. لقد بدأ الجميع يهرعون إلى باب الخروج في نفس الوقت». والقطاعان المفضلان بالنسبة له في السوق هما قطاعا التكنولوجيا والمواد الأساسية، وهو يفضل عدم الاحتفاظ بـ«أي شيء في سندات الخزانة، أي شيء على الإطلاق».

أما سري كومار فسوف يبقي أمواله في سندات الخزانة، حيث يتوقع أنه بمجرد أن يتلاشى تدريجيا ذلك الشعور بالراحة الناتج عن الخطوات التي اتخذتها المصارف المركزية مؤخرا، فمن الممكن أن تتراجع العوائد إلى 1.25%. وهو ينصح أيضا بالمضاربة على تراجع جديد لليورو، وهو أمر يمكن أن يفعله المستثمرون من خلال الصناديق المتداولة في البورصة، كما أن لديه رأيا أفضل بكثير من رأي سيلفا في الأسهم التي تدر عوائد مرتفعة لتوزيعات أرباح الأسهم، حيث يقول: «إذا حدثت أزمة، فسوف يصبح تفضيل المستثمرين لها أكبر بكثير».

ويرى ستاتمان أن هناك ندرة في عمليات الشراء المقنعة في الأسواق، معلقا: «الدخل الثابت سعره غير جاذب. ينبغي أن يبقى المستثمرون طويلو الأجل في نقطة وسط بين الوزن المنخفض عن اللازم والوزن المرتفع جدا عن اللازم. أنا واثق من أن أسعار الأسهم جاذبة فيما يتعلق بالدخل الثابت، إلا أنني أقل ثقة من أن أسعارها جاذبة في المطلق. تعتبر فكرة جيدة في الغالب أن تفترض أن هوامش الأرباح سوف تنكمش في لحظة من اللحظات». وهو يرى أن أفضل الفرص، أو ربما أقلها سوءا، توجد في الديون قصيرة الأجل عالية الجودة، وتوجد كذلك في الأسهم اليابانية وأسهم الأسواق الناشئة.

إن الكثيرين يشعرون بالقلق من أن تكون هناك أزمة أخرى تلوح في الأفق، والسؤال الرئيسي هو ما إذا كان على المستثمرين أن يبتعدوا الآن أم لاحقا، إلا أن باكنغهام يؤكد أن حدوث أزمة ربما يكون هو ما تحتاج إليه البورصة كي تواصل ارتفاعها، ويوضح ذلك قائلا: «إن الناس يظلون ساكنين، في انتظار نزول الكارثة»، مسلطا الضوء على استطلاعات الرأي التي تبين وجود حالة عامة من الازدراء تجاه الأسهم لدى المستثمرين الصغار. وختم الرجل حديثه قائلا: «ما نحتاج إليه هو بعض اليقين، حتى إذا كان سلبيا».

*خدمة «نيورك تايمز»