بابا أوباما وبشار الكيماوي و«جبهة النصرة»

TT

وفاة «الشرير المحبوب» لاري هاغمان بطل مسلسل «دالاس»، لن تشغل أميركا عن إنتاج أشرار «محبوبين» على الشاشة، أو مكروهين في السياسة. تذكر، عزيزي القارئ، فقط، النجم الشهير جورج بوش.

أنت، يا سيدي، تَحَار: كيف تصنِّف فلاديمير بوتين. أو باراك أوباما؟! هل هما من الأشرار. أو من القديسين؟ بوتين محبوب في روسيا. مكروه في سوريا. أوباما مكروه لدى أطفال أفغانستان. باكستان. اليمن. الصومال. وهو نفسه بابا أوباما الذي بكى عشرات الأطفال الذين قتلهم في المدرسة، شرير يحمل مسدسين وبندقية.

قضى أوباما أربع سنوات رئيسا، من دون أن يستطيع تحريم بيع المسدس والبندقية، بسهولة بيع هاتف الـ«بورتابل»! لأن لوبي السلاح الفردي ما زال قادرا على إقناع قديسي الكونغرس وأشراره، بأن السلاح ليس هو الذي يقتل. إنما أصابع اليد التي تحمله هي التي تضغط على الزناد!

مسح بابا أوباما دموعه. واعترف بائتلاف الشيخ أحمد مُعاذ الخطيب (مُعاذ اسم الصحابي معاذ بن جبل). ثم أدرج نجوم «جبهة النصرة» على قائمة التنظيمات الإرهابية. وقال إنها لا تفرق، في عملياتها الانتحارية، بين أشرار النظام والأطفال.

رفض نجوم «الجيش الحر» والتنظيمات السياسية تصنيف أوباما. وصنَّفوا مقاتلي النصرة بأنهم جماعة «أوادم» يكتفون بـ«الجهاد» ضد بشار الكيماوي. ولا يثرثرون عن بطولاتهم، مع الصحافيين الأجانب، ولا حتى مع المقاتلين السوريين.

هل تنشب الحرب في سوريا، بين قوات أوباما، وثوار «جبهة النصرة»؟ أوباما قدم معلومات ضئيلة عن «تبعية» الجبهة لتنظيم «القاعدة» في العراق. قطعا، هذه المعلومات لا تنفصل عن الحرب الإلكترونية الأميركية، ضد ما تصفه بـ«الإرهاب الجهادي» في العالم.

انسحبت أميركا أوباما من العراق. وتنسحب من أفغانستان، تاركة وراءها المالكي و«القاعدة» في العراق. و«القاعدة» و«طالبان» وحميد كرزاي في أفغانستان، وذلك بعدما أنفقت ثلاثة تريليونات (3 ألف مليار) دولار في البلدين.

تقف الآن قبالة الساحل السوري الأساطيل الأميركية والغربية، في انتظار «هفوة» يرتكبها بشار الكيماوي، كاستخدام الأسلحة الكيماوية، أو الصواريخ الباليستية (عابرة القارات)، لتنقضَّ عليه، وعلى ما تبقى من قواته وأسلحته. استخدام هذه الأسلحة المحرمة دوليا، يُعفي أميركا وأوروبا، أخلاقيا، من الالتزام بـ«مشروعية» الفيتو الروسي/ الصيني الذي عطّل مجلس الأمن نحو عامين، عن الحسم مع نظام بشار.

في استباق للتدخل الغربي، انسحبت روسيا من حماية الكيماوي بشار. وكأنها تعترف بأنها لا تريد الدخول في مجابهة، أو حرب عالمية مع الغرب، من أجل سوريا. لكن نائب وزير خارجيتها (ميخائيل بوغدانوف) يهوِّل، بين الحين والآخر، بأن سقوط بشار لا يعني نهاية الحرب السورية. فهي ستستمر، حسب اعتقاده، بين العلويين والسنة، أو حتى بين تنظيمات السنة، بما فيها «جبهة النصرة».

الشيخ معاذ الخطيب رئيس ومفتي الائتلاف السياسي يقول إن سيطرة المعارضة المسلحة على الأرض، باتت تنفي الحاجة إلى «تدخل أجنبي». غير أني لا أظن أن الشيخ الخطيب يضمن سيطرة ائتلافه، أو حكومته الانتقالية، فيما تشهد الساحة، كل يوم، ولادة تنظيم مسلح. أو مدني ضد الائتلاف.

أعود إلى «جبهة النصرة»، فأقول: لا أتوقع أن يتمكن تنظيم ديني مسيَّس وضيِّق الرؤية، من الوصول إلى الحكم في سوريا. وإذا ما لجأ في حالة فشله، إلى العمليات الانتحارية المروِّعة، كما يفعل فرعه العراقي، فلا شك أن تنظيمات الجيش الحر سوف تدخل في مجابهة معه، معتمدة على حنين السوريين إلى الأمن والاستقرار.

هل يعني إعلان أميركا الحرب على «جبهة النصرة»، أنها ستلجأ إلى طائرة النحلة (درون) في ملاحقتها في الداخل السوري؟ هذه الطائرة اختصرت خسائر أميركا البشرية والمادية. مع ذلك، فهي لم تضمن لها النصر. تصفية جيل بعد جيل من مشايخ «القاعدة» أثارت غضب ونقمة العالمين الإسلامي والعربي. فالنحلة لا تملك تقنية التمييز بين «القاعدي» و«المدني». فقد فتكت بألوف المدنيين الأبرياء.

هل هناك خطأ في استراتيجية الحرب الإلكترونية الأميركية؟ نعم، أميركا تريد نصرا سريعا على «الإرهاب الديني» لم تتمكن من تحقيقه. لا بد من الصبر. السلاح لا يكفي لتحقيق النصر على الآيديولوجيا.

لا بد من اللجوء إلى العلم. المعرفة. التربية، في مواجهة آيديولوجيا دينية متزمتة. وقادرة على تجييش مئات أو ألوف الشباب، من خلال تسييس عواطفهم الدينية العميقة، واستغلال معرفتهم الضئيلة، بما ينطوي عليه الدين من قيم سامية، تحرم العنف مع العالم. والتكفير. والقتل، مع المجتمع.

هذه هي مهمة المدرسة. والجامعة. وتعددية الثقافة الإنسانية. المؤسف أن بابا الحرب الإلكترونية على الإسلام «القاعدي»، لم يصل بثقافته الواسعة، إلى إدراك أن هذه الحرب «الدينية» التي يشنها، لا يمكن ربحها، بسرعة طائرة «درون» التي تعرف كيف تختار ضحاياها، من دون أن تملك القدرة على التفكير، بكيفية تحقيق نصرها.

في نهاية القرن التاسع عشر، أسست أميركا كلية تربوية في بيروت. منحتها اسم «سورية». هكذا، تأسست جامعة بيروت الأميركية. اجتذبت الجامعة الأجيال العربية. احتضنت الحركة السياسية القومية. حتى إيران و«حزب الله» لم يستطيعا منافستها. فمعظم طلبتها اليوم من الشيعة.

بمبلغ مليار دولار واحد، تمنحه أميركا إلى ميزانية الدول العربية والإسلامية الفقيرة، تستطيع أن تحارب ثقافة العنف الديني. وأن تكرر تجربة بيروت التربوية. وأن تؤسس لعلم اجتماع إسلامي ليبرالي. يدَرِّسُ ما في الدين من فقه التسامح. والانفتاح. وما في التجربة التربوية الغربية، من حقوق إنسانية في المساواة. في حرية التعبير. والديمقراطية. وفي حقوق الإنسان، ضد الظلم. والقهر.

أنقذت أميركا أوروبا والعالم، من الفاشية العنصرية. مات مئات ألوف الأميركيين في الحرب. اجتذبت أميركا أجيالا أوروبية. دربتها في مراكزها التعليمية على ممارسة الديمقراطية. مولت أميركا اقتصاد أوروبا (مشروع مارشال) اليوم، يأتي اقتصاد الاتحاد الأوروبي ثاني اقتصاد في العالم (13 تريليون دولار إجمالي الإنتاج السنوي)، في مقابل 15 تريليون دولار قيمة الإنتاج السنوي الأميركي.

هل فقد بابا أوباما القدرة على إلهام الحاضر والمستقبل، ليقف عاجزا أمام شاب أميركي، يغتال مستقبل أميركا بثقافة العنف. بمسدسين وبندقية؟ هل فقد بابا أوباما الحزين على أطفال أميركا، الأمل في مواجهة طالبان. القاعدة. «الشباب» في الصومال. «جبهة النصرة» في العراق وسوريا، إلا بغارات طائرة الشر (درون) التي تغتال فرصا أميركية، لتغيير عالم الفقراء بالتربية. بالثقافة. بالمعرفة. بالعلم؟