تطهير وطهور!

TT

أتابع كغيري، بالدهشة والاستغراب اللذين يختلطان بين الحزن والسخرية، مظاهر المظاهرات والاعتصامات العنيفة والتهديدات التي يقوم بها حازم أبو إسماعيل وأنصاره في مناطق مختلفة في مصر، فيعتدون على إعلاميين ويهددونهم ويشهرون بهم ويسبونهم ويدعون عليهم ويحاصرونهم، وكذلك يفعلون بأحزاب سياسية، ويحرقون مقارها. ثم تظهر شعارات عجيبة مثل «يجب تطهير الإعلام» و«لازم تطهير القضاء» يحملها الرجل وأنصاره، هذا الرجل الذي اضطر لأن ينسحب من سباق الانتخابات الرئاسية المصرية لأنه خالف شروط الترشيح، وذلك لأن والدته تحمل الجنسية الأميركية (وهي مسألة لا يزال حازم أبو إسماعيل ينفيها حتى الآن رغم وجود الأدلة والبراهين والأوراق الرسمية والوثائق المثبتة لجنسية والدته).

ما يحصل في مصر من قبل جماعة حازم أبو إسماعيل تحت أسمائهم المختلفة لا علاقة له بالتظاهر السلمي والمعتمد في دول العالم المتحضر، لأنه يتضمن تهديدا وتطاولا وإعاقة عمل لأعداد غير قليلة من الناس. كل ذلك يحدث وسط ذهول من العامة وصمت مريب من أجهزة الدولة التي تعتبر أن هذا الرجل وجماعته هم من «الحلفاء» المحسوبين على الفريق الحاكم. التطهير نظرية لذيذة لإشغال الناس بفعل الخير، التطهير كلمة مشتقة من الطهارة، والطهر شيء مرغوب تجمع عليه الأديان والأعراف، ولكن هذا «الشعار» البراق والجذاب يتم تطبيقه «بالذراع» وممن؟ من ناس لا صفة لهم على الصعيد الرسمي أبدا.

الحديث عن «التطهير» هو مسألة تحمل في طياتها الكثير من المعاني العدوانية والعنيفة وتبعد تماما عن مناخ الحوار والتوافق والوسطية والأرضية المشتركة المطلوب تأسيسها والبناء عليها لدولة تخرج من ثورة لبناء قواعد الكيان الحديث الذي من المفروض أن يسعى لتثبيت المرحلة القادمة.

هذا النوع من التصرفات المليئة بالرعونة والفجاجة والتسلط هو ترجمة عملية لأفكار وثقافة فسرت الدين الإسلامي بشكل شاذ وغريب وخرجت عن إجماع الأغلبية بل وشككت في شرعية وجدارة وثقل مؤسسة الأزهر أهم مرجعية اليوم في العالم الإسلامي، واعتمدت على آراء مجاميع من الشخصيات صاحبة آراء مثيرة للجدل واعتبرتهم وحدهم أهل الصلاح والوحيدين الذين من الممكن أن يؤخذ منهم الرأي الشرعي السديد. هذا النوع من التشدد والتنطع ولد تطرفا مقيتا وولد مناخا متشددا مليئا بسوء الظن وسوء الأدب مع الآخرين.

مصر بلد عريض ومتشعب. سيبقى شعبها يسمع عبد الباسط عبد الصمد يرتل ويجوّد القرآن الكريم ويسمع لأم كلثوم ويحضر مباريات الأهلي والزمالك ويتابع آخر أفلام عادل إمام ويقول النكتة ويضحك عليها ويقابل الغريب بلا شك ولا قلق. ولذلك كان من المتوقع والطبيعي جدا أن يكون الرد على دعوات «التطهير» العجيبة هذه هو وجود حراك متنام في المجتمع المصري يطالب هو أيضا بتطهير المنابر والمساجد من الدخلاء عليها من دعاة ومشايخ يطرحون خطابا غريبا عجيبا، يفرق ولا يوحد، يشكك ويخوّن كل من يخالفه بشكل غير مسبوق.

التنطع والتشدد والتطرف هذا غزا المجتمع المصري وكان يشك في الدخول في الشأن السياسي كمبدأ ثم حصلت الثورة وقرر الدخول في غمار الأحداث وركوب الموجة ويساهم في خلع ولي أمر البلاد وهي مسألة كانت مرفوضة من قبل. ها هو يدافع عن الرئيس الحالي بتجريم وتحريم الخروج عليه ويقع بذلك القول في مطب ومأزق متناقض لم يجب عنه أحد من زعاماته بشكل مقنع.

التطهير شعار مضلل يرفع براية شبيهة بالحق ولكنها باطلة ولا أجد أبلغ من خفة دم سائق التاكسي المصري الذي شاهد مشهد معتصمي حازم أبو إسماعيل وهم يصيحون بتطهير الإعلام وقال: «عيب الحاجات دي. التطهير ده حاجة بتتعمل للأولاد أول ما يتولدوا.. إيه لزوم الكلام ده!».

[email protected]