لا حرج من تنبيه المرضى لأطبائهم

TT

أعادت الدراسة الحديثة للباحثين من جامعة ويسكنسون طرح موضوع: هل على المريض أن ينبه طبيبه إلى فعل الصواب أم أن على المريض التفاعل بشكل سلبي مع عملية معالجة الأطباء لحالته الصحية؟ والموضوع أحد المواضيع الطبية الحساسة في العلاقة بين الطبيب والمريض، والتي يسود اعتقاد عالمي في أوساط المرضى أن الأطباء يعلمون ويفعلون ما عليهم فعله ولا داعي لتنبيههم أو التأكد منهم على فعلهم ذلك.

دراسة جامعة ويسكنسون نُشرت في عدد ديسمبر (كانون الأول) من مجلة «السيطرة على العدوى وعلم أوبئة المستشفيات» (Infection Control and Hospital Epidemiology)، وفيها درس الباحثون موضوعا مهما، وهو نسبة المرضى الذين يقدمون على سؤال أطبائهم وممرضاتهم: هل غسلت يديك جيدا قبل أن تبدأ في فحصي؟

الباحثون انتقوا نوعية مهمة من المرضى، وهم المرضى الذين هم أكثر عرضة لخطورة الإصابة بالعدوى الميكروبية في المستشفى أو من سبقت إصابتهم بالعدوى الميكروبية أثناء وجودهم بالمستشفى للمعالجة. وشملت العينة 200 مريض من الذين هم عُرضة أو إصابتهم ميكروبات قوية ومقاومة لعدد من أنواع المضادات الحيوية، ومرضى أجريت لهم عمليات جراحية وجروح الجلد لديهم عرضة للالتهاب الميكروبي، ومرضى تم وضع أنبوب في أحد أورتهم الكبيرة خلال العناية بهم في أقسام العناية المركزة.

ولاحظ الباحثون في النتائج أن 99.5 في المائة من المرضى هؤلاء يؤمنون بضرورة أن يغسل الأطباء والممرضون أيديهم جيدا قبل ملامسة المريض أو أي جزء من جسمه. كما أفاد 90 في المائة منهم بأنه يجب تنبيه الأطباء والممرضين، إذا نسوا ذلك، للحرص على غسل أيديهم جيدا قبل ملامسة المريض أو أي جزء من جسمه.

إلى هنا والنتائج ممتازة ومنطقية وتدل على عمق إدراك المرضى أهمية الأمر في حماية أنفسهم من الإصابة بالعدوى الميكروبية خلال إقامتهم بالمستشفى. ولكن المفاجأة الحقيقة هي حينما سأل الباحثون هؤلاء المرضى: هل سبق أن استفسرتم أو نبهتم طبيبكم أو ممرضتكم أو سألتموهم «هل غسلت يديك قبل أن تفحصني؟»، كانت نسبة الذين «تجرأوا» على فعل ذلك هي 14 في المائة! وحينما سألهم الباحثون لماذا لم تقوموا بسؤال أطبائكم عن غسل أيديهم، أفاد 64 في المائة بأنهم من الممكن أن يهتموا بذلك مستقبلا مع الممرضات، بينما نقصت النسبة إلى 54 في المائة عند طرح موضوع تنبيه الطبيب على فعل ذلك.

وقال الدكتور أندرو أوتيم، الباحث المشارك في الدراسة: «المرضى لديهم دراية بأهمية الأمر كوسيلة للوقاية من انتقال العدوى الميكروبية، ولكن من الواضح أن من الضروري تشجيع المرضى وإعطاءهم شيئا من القوة لتنبيه طاقم التمريض والأطباء على الحرص لفعل غسل اليدين».

علاقة الطبيب بالمريض والمريض بطبيبه يجدر أن لا تكون بهذه الطريقة التي تجعل المريض يتحرج أو يخشى من سؤال طبيبه أو ممرضته سؤالا بسيطا لا ينم عن أي قلة ذوق أو سوء في التعامل أو عدم الثقة، والسؤال «بسيط»: هل غسلت يديك قبل أن تفحصني؟ والإجابة يجب أن تكون «أبسط»، ذلك أن الطبيب أو الممرضة عليهم أن لا يتحرجوا من الإجابة بـ«نعم» إن كانوا فعلا غسلوا أيديهم جيدا لكي يكملوا القيام بعملهم، أو بـ«لا» كي يغسلوا أيديهم ثم يفحصوا مرضاهم. الهدف الأساس هو حماية المريض وعلاجه بشكل آمن وصحيح، وإن سها أو نسي الطبيب أو الممرضة، فما الحرج من تنبيه المريض لهم؟ وإن المريض سأل والطبيب كان بالفعل قد غسل يديه، فما الذي ينقص من قدر الطبيب أو مكانته إن سأله المريض للتأكد والحرص على سلامة نفسه؟

إن ما تحرص عليه برامج تطوير جودة أداء الأطباء والممرضين وبرامج الحرص على تحقيق أعلى درجات السلامة للمرضى هو إشراك المريض كي يكون عضوا فعالا في الفريق المعالج له، وبتعاون المريض وارتياحه وفهمه لطريقة معالجته يكسب الأطباء والممرضون ذلك المريض في محاولاتهم إزالة المرض عنه، ويضمنون درجة عالية من تعاونه في اتباع الإرشادات الطبية وتناول الأدوية المصروفة له وإجراء الفحوصات المطلوبة في مراحل المتابعة الطبية.

وحينما يتقن الأطباء والممرضات عملهم، ويتأكد المريض من ذلك عبر وضوح اهتمامهم به وحرصهم على سلامته، فإن عملية العلاج المعالجة تكون أفضل ونتائجها أحسن ونبلغ درجة أقوى في شعور المريض بالرضا.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]