لن نقف مكتوفي الأيدي أمام العنف المسلح

TT

كان نظام الاتصال الداخلي (الإنتركوم) مفتوحا. «في البداية، سمعنا صوت مجموعة أطفال يصرخون»، هذا ما قاله معالج بمدرسة «ساندي هوك» الابتدائية. وواصل قائلا: «بعدها، عمت حالة من الهدوء، ولم يكن بوسعك أن تسمع صوتا سوى صوت إطلاق النار».

إن حالة الصمت هي التي بدت مروعة على وجه الخصوص. الصمت المنهجي للقاتل، والصمت غير الطبيعي للأطفال.

لكن بين هؤلاء الذين لم يتأثروا بشكل مباشر، لم يدم الصمت لفترة طويلة. نحن نحاول أن نستعيد السيطرة على الأحداث المفاجئة عن طريق شرحها. ونحن نشرحها وفقا لمعتقداتنا السابقة. المتدينون يرون ثغرة من صنع الخالق في المجتمع الأميركي. وهؤلاء المعنيون بالصحة العقلية، يرون أمة غير مبالية بالمحطمين نفسيا. أما هؤلاء المسؤولون عن التحكم في الأسلحة النارية، فيرون بندقية «بوشماستر 223». أما هؤلاء الذين يحدوهم اليأس من ثقافة عنف، فيرون راميا قاتلا ظهر من لعبة فيديو.

وتتمثل وسيلة نحاول استخدامها في هزيمة الموت في تحويل الذعر العاجز إلى قضية مألوفة.

مما يحط من قدر أي قضية أن يسلب المدافعون عنها مشاعر الحزن التي تعتري أي شخص آخر لمصلحتهم الآيديولوجية. لكن في هذه الحالة، يعتبر البحث عن دلالات سياسية للكارثة أمرا من المتعذر تجنبه. إن الهدف الأساسي للحكومة هو حماية الأبرياء من الأشرار. وفي نيوتاون بولاية كونيتيكت، لا يمكن أن يكون هناك أشخاص أكثر براءة أو مجرم أكثر وحشية مما شاهدنا.

عند صياغة سياسة عامة، لا نقوم ببناء أمة من العدم. كان هناك نحو 270 مليون سلاح في أميركا وما يربو على 11 مليون شخص يعاني اضطرابا عقليا حادا في العام الماضي. غير أن العنف الذي نشب عند هذا المفترق يعتبر محدودا نسبيا. يمثل المصابون باضطرابات عقلية تتراوح ما بين 3 إلى 5% من مرتكبي جرائم العنف. يبلغ إجمالي حوادث القتل الجماعي في الولايات المتحدة - تلك التي يسقط جراءها 4 ضحايا أو أكثر – نحو 160 حادثة سنويا.

لكن ليست الأرقام وحدها هي التي تشكل أهمية. إذ تحدث 160 صاعقة مميتة سنويا (بمتوسط 54 صاعقة)، من شأنها أن تقود إلى حملة تحذيرات من الخدمات العامة. ومن الممكن أن يفضي العدد نفسه من حالات الوفاة الناجمة عن سمية حليب الرضع إلى حالة من الذعر والملاحقات على المستوى القومي.

تقترب حوادث القتل الجماعية - التي تستهدف أماكن عامة وكليات، وفصولا في روضة الأطفال الآن - من الفئة الثانية. وهي تزهق أرواح نسبة هائلة من الأبرياء، كما تسلبنا قدرا كبيرا من شعورنا بالأمان.

فضلا عن ذلك، فهي عادة ما تشمل تكنولوجيا تبدو غير متوافقة مع رياضة الرماية أو الدفاع عن النفس. إن بندقية «بوشماستر 223» شبه الآلية بها مخزن سعة 30 طلقة. يقول كبير اختصاصيي الفحص الطبي في كونيتيكت إن الرصاصات المستخدمة في نيوتاون «مصممة بطريقة تكون فيها الطاقة كامنة في النسيج بحيث تستمر الطلقة في (إحداث) مجموعة مروعة من الإصابات». ومثل هذه اللغة الطبية، تشكل أهمية عند النظر في الصور الكامنة وراء كابوس الحادث المفجع.

في بعض الأحيان، يقال إن السياسة العامة عديمة الجدوى في هذا النطاق، لأنها لم تكن لتمنع وقوع حادثة قتل بعينها. لكن هذه ليست عتبة الإجراء الحكومي. السؤال وثيق الصلة هو: ما السياسات التي يمكن الدفع بها لتقليل احتمالية وقوع مثل تلك الحوادث أو درجة خطورتها بمرور الوقت؟

مثلما هو الحال في الأمور المتعلقة بالصحة العامة، تتمثل الأهداف في تقليل المخاطر والأضرار. وسوف يشمل هذا تقديم خدمات أفضل للمصابين باضطرابات عقلية حادة، والذين يزداد الآن احتمال كونهم مودعين في سجون لا في مستشفيات - إضافة إلى مزيد من المتطلبات الأكثر إلحاحا الملقاة على كاهل اختصاصيي الصحة العقلية بالإعلان عن التهديدات المحتملة. ربما يفرض هذا ضغوطا أمنية زائدة على المدارس. وبالفعل، هناك حاجة ماسة إلى فرض قيود معقولة على الأسلحة.

عادة ما تشمل إدارة مثل هذه الأزمة تحقيق التوازن الصعب بين الحقوق. هنا، يبدو الوضع الراهن حاليا في حالة من الاختلال الحاد في التوازن، بحث لا تبدو التعديلات المقترحة قريبة من اجتياز الحدود الدستورية. تتوافق إجراءات مثل حظر الأسلحة الهجومية وتقييد عروض الأسلحة ومبيعات الإنترنت، وتقييد حجم مخازن الذخيرة ومشتريات الذخيرة الحربية، وتتطلب المزيد من التدقيقات الأمنية الموثوق بها التي تتوافق بشكل تام والتعديل الثاني، الذي لا يمثل الحق في الاحتفاظ بترسانة عسكرية. إن الدولة التي تحظر امتلاك المدنيين قذائف تطلق من الكتف تكون بالفعل على طريق الهاوية.

تتطلب تلك الجهود تواضعا. إنها توفر أملا في تحقيق مكاسب هامشية، لا في أمان مطلق. وليس ثمة رد سياسي كاف على العمل الوحشي الممثل في قتل طفل - على يد مرتكب عمليات قتل جماعية أو سائق مخمور أو جراء تبادل لإطلاق نار بين أفراد عصابة. لكن هذا لا يعني أننا عاجزون عن حماية الأطفال الذين يدخلون في نطاق مسؤوليتنا. يتمثل رد الفعل الأول المهم تجاه ما هو غير مقبول في عدم قبوله.

* خدمة «واشنطن بوست»