قمة التحدي لأهل الخليج

TT

عندما تغلق الأبواب في المنامة على المجتمعين من قادة مجلس التعاون لبدء اجتماعهم التشاوري الثالث والثلاثين منذ قيام مجلس التعاون في 25 مايو (أيار) عام 1981 بعيدا عن الإعلام، سوف يتوقف القادة عن تبادل المجاملات. لقد بذل المعاونون والبيروقراطيون جل جهدهم في الأخذ والعطاء والاختلاف والتوافق على فقرة هنا وكلمة هناك في مشروع البيان المشترك، إلا أن اجتماع القمة ليس من أجل تعديل جملة هنا وإضافة كلمات هناك، وليس من أجل تجميل البيان المشترك، فهو أعمق من ذلك بكثير. هو اجتماع سياسي يتجاوز صغائر الأمور، من أجل مواجهة التحدي الذي يلهب الشارع خارج أبواب المجتمعين، على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، فالقمة يوم الاثنين المقبل تتأرجح بين تفاؤل المبتسمين، وتشاؤم العابسين، ورجاء الجمهور الخليجي العام أن تعبر القمة بالمجتمع الخليجي من الريبة والشك والخوف إلى شاطئ الأمان والاستقرار.

ليس سرا أن دول الخليج قد تخطت ثلاث حروب شعواء خلال تلك الفترة الممتدة بين إقامة مجلس التعاون إلى اليوم، وتخطتها بالكثير من الجهد، وأيضا بالكثير من الحظ. وليس سرا أن العالم المحيط يتبدل بسرعة غير مسبوقة، منذ عرفت المنطقة الدخول في حلبة السياسة الدولية لنصف قرن أو أقل من الزمان، إلا أن معطيات اليوم ليست كما كانت في السابق، فلم يعد المال مقرونا بالأمن، فهو الترياق المناسب لتخطي مشكلات التنمية وتحديات التطور المطلوبة بقوة في المنطقة، كما أن الفوضى التي يسببها إهمال اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ليست هي البديل المطلوب. المطلوب شيء آخر: كثير من الحكمة، والكثير من التضحية في هذا الوقت الحرج لإنقاذ المجتمع الخليجي من الوقوع في الفوضى غدا.

ربيع العرب يتعثر، والفوضى تكاد تنتشر، والخلاف على أشده في أكثر من عاصمة عربية، والحرب الأهلية ليست بعيدة عن حدود دول الخليج، فهي كامنة في الجنوب، في اليمن الذي لم يعد سعيدا، وفي الشمال في الشام الذي لم يعد آمنا، وفي العراق حيث الانقسام على النفس ظاهر بين، يكلف كل يوم عددا لا يحصى من الأنفس، وفي إيران التي تراوح بين مد نفوذ لها إلى الخارج، وفاقة وفقر مالي وسياسي في الداخل.

على الصعيد الدولي الانشغال قائم من أجل تدبير الاقتصاد المنهار في بعض مدن أوروبا، حتى أصبح لاجئو أوروبا من داخلها أكثر حاجة من اللاجئين إليها من الخارج، والولايات المتحدة تغوص في خلاف سياسي داخلي عقيم للبحث عن المتسبب في الأزمة الاقتصادية القاتمة والتفتيش عن حلول لها في ظلام دامس. وحتى الآن لم يتوافق كلا القطبين الحاكمين.

عندما ينظر قادة مجلس التعاون إلى كل هذا الاضطراب حولهم، وفي بعض داخلهم، فإن أخطر ما يمكن أن ينتهوا إليه هو التهوين من هذا الاضطراب الإقليمي والدولي وتأثيره على منطقتهم، والاعتقاد بأنه اضطراب فقط يحدث للغير ولا يمتد إلى ساحتهم، وذلك افتراض سياسي ينظر إلى اليوم فقط ولا يمد بصره إلى الغد، والغد حمال مخاطر حقيقية يتحتم النظر إليها وبناء استراتيجية لها تتوافق مع مسيرة التاريخ العالمي وتستخلص الدروس من أولئك السابقين الذين قالوا قبل شهور، وهم في سدة الحكم، إن ما يحدث لن يحدث لنا لأننا «غير».. فالدنيا متغيرة، والخطأ الصغير اليوم قد يكبر ليصبح في حجم الجبل!

سيكون على قادة التعاون بعد غد الاثنين النظر بجدية لشراء بوليصة تأمين للمستقبل، وهي من شقين.. الأول إصلاح البيت الداخلي، من خلال إقامة مؤسسات فاعلة وحديثة تقلل ما أمكن من مناطق الاضطراب والسلبية، وتنقذ المواطن الخليجي من هذا الكم البيروقراطي الذي يقع على كاهله، فهي مؤسسات ذات هدفين: تقليل البيروقراطية ومحاربة الفساد، ووضع الحلول السياسية الناجعة للحد من تفاقم المشكلات الحياتية للمواطن الخليجي. أما الشق الثاني فهو التضحية قليلا بامتيازات سلطة الدولة لتلائم سلطة الوحدة، التي يتوق إليها المواطن الخليجي، لأن أي شكل من أشكال الوحدة سوف يقلل من الاختناقات الاقتصادية التي تواجه بعض دول الخليج، ويزيد من المنعة الاستراتيجية، كما أنه سيظهر المنطقة بكلمة موحدة أمام الآخر، القريب والغريب.

من دون التفكير في الحصول على بوليصة التأمين من الداخل، ستتفاقم المخاطر تباعا، وقد لا يشعر بها البعض اليوم، لكنه سوف يراها ماثلة في الغد القريب. فأي قارئ محايد لهبوب الرياح الإقليمية سوف يجد نفسه متخذا الحذر من أن تصيبه تلك الرياح بكل ما تحمله من مخاطر.

ليس المراد هنا أن يُتخذ قرار جماعي في كل الأمور المؤدية إلى أول طريق الوحدة، فقد يكون من الحصيف أن تؤخذ الوحدة في أبسط أشكالها على مرحلتين (أي الوحدة بسرعتين)، هكذا لو استقرأنا تاريخنا الحديث كانت ستسير الأمور. الشيخ زايد رحمه الله الذي آمن بوحدة الإمارات واجه ترددا وتخوفا وحتى تأخيرا في ولوج الوحدة، لكنها لما قامت نسي الناس ذلك التردد، وأصبح الإماراتيون يفكرون من خلال هوية وطنية واحدة.. وهكذا يصنع الرجال التاريخيون.. فالمرحوم عبد العزيز واجه مثل ذلك في دربه إلى وحدة الجزيرة، حتى إن أول اسم لها كان «سلطنة نجد ومملكة الحجاز»، وبتدرج مدروس وتاريخي أصبحت هناك هوية واحدة هي اليوم المملكة العربية السعودية. فتاريخنا الحديث والمعاصر لا يخلو من تجارب «على سرعتين» إن صح التعبير. أليس من الخطأ التاريخي أن نتعامل في «وقت الاستعمار» تقريبا بعملة واحدة، ثم نشرذم إلى ست عملات في وقت القيادة الوطنية؟!.. هل من عاقل يرى ذلك طبيعيا وعاديا؟!

إذا لم ينته اجتماع المنامة - في هذا الظرف التاريخي - إلا إلى بيان يُعيد فحوى البيانات الأخرى، فيمكن القول وقتها إننا قد فاتتنا ملاقاة التحدي الماثل بتحد يساويه في القوة ويفتح باب الأمل أمام مجتمعات دول الخليج في السير باتجاه الحفاظ على الأوطان والهوية بجهد داخلي منظم وهادف، أما إذا كان الأمر – كما أشرت - تهوينا أو استجابة متباطئة، فإن حجم المخاطر سيتجه إلى أن يكون معادلة هندسية تتضاعف مع مرور الوقت. إننا منتظرون للدخان الأبيض من اجتماع المنامة لعله يعبق في الهواء مبشرا!

آخر الكلام:

توقفت أمام خبر من العاصمة الأردنية عمان، أن رجلا سرق عشرين دينارا ليطعم أولاده، ثم سلم نفسه إلى مخفر الشرطة! لا أملك من كلمات الأسى ما أعلق به على هذا الخبر المحزن والكئيب!!