الاستفتاء الشعبي يسقط مشروع الدستور

TT

النتائج التي أعلنها حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين للمرحلة الأولى من الاستفتاء على الدستور - رغم ما شاب الاستفتاء من خروقات - ذكرت أن الذين قالوا «نعم» كانت نسبتهم 57% مقابل 43% للذين قالوا «لا». ومع أن هذه النتيجة كافية لإنجاح أعضاء البرلمان ورئيس الجمهورية، حيث حصل محمد مرسي على 51% فقط، إلا أنها لا تصلح للموافقة على الدستور. فعندما انسحب ممثلو التيار المدني من اللجنة التأسيسية للدستور، رفض الرئيس مرسي ومعه حزب الإخوان إعادة مناقشة المواد المختلف عليها، وقالوا إنهم سيعرضون الدستور على الشعب مباشرة، ليقول رأيه في الدستور. أي أنهم قرروا أن يحل الشعب المصري مكان أعضاء اللجنة التأسيسية في التصويت على مشروع الدستور.

ومن المعروف في مصر وجميع بلدان العالم أن كتابة الدستور، أو تعديله، لا تتم إلا بموافقة ثلثي الأصوات. وفي 16/7/2012، اعتمد الرئيس مرسي قانون معايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، الذي أصدره مجلس الشعب قبل 48 ساعة من حله. ونص هذا القانون على أنه: «يتم إقرار مشروع الدستور عبر التوافق بين أعضاء الجمعية (المائة)، فإذا لم يتحقق التوافق يجري التصويت على مواد مشروع الدستور المختلف عليها بموافقة 67 عضوا، وإذا لم يتحقق ذلك تجري إعادة التصويت بموافقة 57 عضوا». كما نص مشروع الدستور الذي تم الاستفتاء عليه على أنه إذا رفض رئيس الجمهورية الموافقة على قانون أصدره مجلس الشعب، يتوجب إعادته إلى المجلس حيث لا تتم الموافقة عليه إلا إذا نال ثلثي أصوات الأعضاء. ولا يعقل أن يحصن الدستور رئيس الجمهورية المنتخب بأكثر من تحصينه للشعب الذي انتخبه. وعلى هذا فإن مشروع الدستور الذي تم الاستفتاء عليه قد سقط لعدم حصوله على نسبة ثلثي الأصوات في الاستفتاء الشعبي.

هذا رغم أن المشهد السياسي في مصر يدل على أن 57% قد تكون نسبة مبالغا فيها للقائلين «نعم»، حيث تم رصد الكثير من المخالفات في عملية التصويت، ما قد يغير هذه النتيجة. فقد رصد المراقبون مشادات واشتباكات ومخالفات كثيرة، وقالت التقارير الرقابية إنه تم توزيع رشى انتخابية - طعام وزيت وسكر - للتصويت بـ«نعم»، ووقعت مشاجرات بين الجماهير ومؤيدي الإخوان في محافظات أسيوط بالصعيد والغربية بالدلتا. وفي مدينة نصر بالقاهرة منع بعض الأقباط من دخول لجنة الاستفتاء، وتم تحرير محضر ضد رئيس لجنة انتخابية بمدينة المنصورة بسبب قيامه بتسويد البطاقات قبل التصويت. ووقعت مشادات كثيرة بين الناخبين والقضاة بسبب تأخر فتح اللجان، وتم إطلاق النار أمام إحدى اللجان بمدينة المحلة الصناعية. وتبين وجود عدد كبير من المشرفين على اللجان، ليسوا من القضاة، وتلقت عمليات أندية القضاء ومنظمات حقوقية 27 بلاغا بوجود موظفين وسكرتارية محاكم مكان القضاة في لجان الاستفتاء.

وبينما تلقى نادي القضاة 106 بلاغات بحدوث انتهاكات في عملية الاستفتاء، أعلنت جبهة الإنقاذ الوطني عدم اعترافها بنتائج الاستفتاء التي اعتبرتها غير رسمية، وقررت عدم الاعتراف بنتائج الفرز في بعض اللجان التي أغلقت أبوابها قبل أربع ساعات من الموعد المحدد، وتقدم خالد علي – المرشح الرئاسي السابق – وبعض رجال القانون بأربع دعاوى أمام القضاء الإداري تطالب بعدم قانونية الاستفتاء. ومما دعم الاتهام بحدوث هذه الخروقات، إعلان المستشار عبد الله قنديل رئيس هيئة النيابة الإدارية، رفض أعضاء الهيئة الإشراف على المرحلة الثانية من الاستفتاء. كما قرر مجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة – الذي يضم نحو 3 آلاف عضو - عدم المشاركة في الإشراف على استفتاء الدستور في المرحلة الثانية، بسبب الانتهاكات والتجاوزات التي حدثت في المرحلة الأولى. وجاءت الضربة القاضية عندما أعلن نائب وزير العدل زغلول البلشي، الأمين العام للجنة المشرفة على الاستفتاء، أنه لن يتمكن من الإشراف على المرحلة الثانية من الاستفتاء بسبب إصابته بوعكة، وهو ما فسره البعض بأنه جاء تعبيرا عن عدم رضاء البلشي عن الطريقة التي سارت بها عملية الاستفتاء في مرحلتها الأولى.

لماذا يصر الإخوان على المضي في طريق مسدود، ومحاولة فرض سيطرتهم على مصر؟ فمما لا شك فيه أنهم باتوا يدركون أن الغالبية العظمى من شعب مصر لم تعد تثق بهم، وأصبحت تتخوف من فرض الجماعة سيطرتها على الحكم. وبينما تمكن جمال عبد الناصر من كسب الفقراء عن طريق توزيع الأرض الزراعية وإقرار دعم السلع الرئيسية وتثبيت الإيجارات وضمان ولاء الجيش، فإن الأشهر القليلة من حكم الإخوان زادت الفقراء فقرا وهددت بإلغاء الدعم، بينما لا يزال الجيش يقف على الحياد.