امرأة قوية في مهمة صعبة

TT

بعد أسبوع من إشراف القائد الجديد لكوريا الشمالية كيم جونغ أون على أول اختبار نجاح لنظامه لصاروخ بعيد المدى، انتخب الناخبون في كوريا الجنوبية يوم الأربعاء بارك جيون هاي المنتمية للتيار المحافظ لتولي منصب رئيس البلاد.

تعتبر بارك واحدة من المؤيدين الأكثر صراحة للتحالف مع الولايات المتحدة من منافسها التقدمي. وتتمثل التساؤلات الهامة بالنسبة للأميركيين فيما إذا كانت رئيسة كوريا الجنوبية ستكون قائدة قوية وشريكا جيدا في التعامل مع التهديد الكوري الشمالي.

لقد تمتع الأميركيون بتعاون وثيق على نحو غير مسبوق مع الإدارة المحافظة للرئيس الكوري الجنوبي الأسبق، لي ميونغ باك؛ نظرا لأنهم شاركوا إجماعا قويا بشأن كوريا الشمالية. ويمكن أن يتغير ذلك في ظل القيادة الجديدة في سيول من دون اهتمام وجهد كبيرين من جانب إدارة أوباما.

وعلى غرار لي، تؤكد بارك على صدارة الولايات المتحدة كشريك أمني لكوريا الجنوبية، وقد ربطت معظم الامتيازات الممنوحة لكوريا الجنوبية باستعداد بيونغ يانغ للتخلي عن برنامج أسلحتها النووية. غير أن بارك تقول إنها ستبذل جهودا أكبر مع كوريا الشمالية في سبيل تعزيز الثقة المتبادلة بين البلدين من خلال خطوات مشتركة تصفها باسم «سياسة الثقة». كذلك، على عكس لي، أعلنت أنها ستقدم معونات غذائية واسعة النطاق من دون شروط.

على أي حال، ستقع بارك تحت ضغط شعبي من أجل القيام بمحاولة جادة للتعاون مع كوريا الشمالية. فضلا عن ذلك فإن الكثير من الكوريين ليسوا راضين عن الدعم الواضح الذي منحه لي للتحالف الأميركي، حيث يشعرون أنه أفسد العلاقات مع الصين، التي تعتبر الآن أكبر شريك تجاري لكوريا.

ورغم أن إدارة أوباما أوضحت قبل الانتخابات أنها ستحاول جاهدة صياغة سياسة تتعلق بالعلاقات مع كوريا الشمالية مع أي مرشح يحالفه الفوز، فإن بارك ما زالت تجد أن من الصعب وضع سياسة تلبي المتطلبات الشعبية والمصالح الأميركية، خاصة مع محاولة بيونغ يانغ المتزايدة سبر أغوار موقف واشنطن.

وبوصفها ابنة للرئيس السابق بارك تشونغ هي، تأتي بارك حاملة إرثا ثقيلا. صعدت إلى بؤرة الضوء نظرا لأن والدها أشرف على «المعجزة» الاقتصادية الكورية التي حدثت في فترة الستينات والسبعينات من القرن العشرين، لكنه يذكر أيضا نظرا لدوره الاستبدادي. إضافة إلى ذلك، فسوف تصبح بارك أول رئيسة في دولة يهيمن عليها الرجال.

لكن على غرار بنات القادة الآسيويين ذوات الشخصيات الجذابة الأخريات، مثل أنديرا غاندي وميغاواتي سوكارنو، تبدو بارك قوية في المنصب المخول إليها. لقد أنقذت حزبها مرتين من حافة الانهيار، مكتسبة شهرة بوصفها «ملكة الانتخابات».

تعلمت بارك، التي تبلغ من العمر 60 عاما، السياسة والدبلوماسية في سن مبكرة عندما اضطلعت بدور السيدة الأولى مع اغتيال أمها على يد عميل من كوريا الشمالية. وقد تحملت عقدين من النفي السياسي بعد وفاة والدها في عام 1979، مقتحمة مجال السياسة فقط عندما أيقظت الأزمة المالية الآسيوية التي وقعت في عام 1997 مشاعر الحنين إلى حقبة بارك. في ذلك الحين، لم تعد بارك جيون هاي «أميرة» - أنشأت قاعدتها الخاصة من الدعم التنظيمي والانتخابي وسط محافظين ومعتدلين.

في هذه الانتخابات، أظهرت بارك مهاراتها السياسية عن طريق تشكيل «ائتلاف ضخم من المحافظين» - وهو الأول منذ تحول كوريا الجنوبية إلى النظام الديمقراطي في عام 1987. وتحقق هذا بثمن باهظ؛ إذ جاء رد فعل المعارضين التقدميين ممثلا في زيادة تماسكهم وتعميق الاستقطاب السياسي في الدولة. صوت الكوريون الأصغر سنا وسكان مقاطعة تشولا جنوب غربي كوريا الجنوبية باكتساح لصالح خصمها.

فازت بارك في سباق محتدم في دولة أكثر استقطابا من الولايات المتحدة. إن الكوريين الجنوبيين منقسمون بين محافظين يلقون باللوم على كوريا الشمالية بشكل كامل في المأزق الذي هم فيه، والتقدميين الذين يلقون باللوم بشكل كبير على المحافظين في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة على عدم مخاطبة ما يعتقدون أنه مخاوف أمنية مشروعة من جانب كوريا الشمالية.

لكن بالنسبة لواشنطن، تعتبر كوريا الشمالية شأنا سياسيا، وبالنسبة للكوريين الجنوبيين تعتبر أيضا قضية سياسية محتدمة، وبالأساس، قضية هوية وطنية لم يبت فيها. لن يغير إطلاق القمر الصناعي الكوري الشمالي الانقسامات داخل كوريا الجنوبية.

من المرجح أن يحاول النظام الكوري الشمالي، الذي أدان بارك بعنف أثناء الحملة، تحديها عما قريب. وهذا من شأنه أن يضع وعود حملة بارك موضع اختبار فيما يتعلق بتحسين العلاقات مع كوريا الشمالية وحثها على نزع السلاح النووي.

بالنظر إلى تصاعد التهديد الكوري الشمالي، من الأكثر أهمية أن تحاول واشنطن التواصل مع الإدارة الجديدة في سيول. يحتاج الرئيس أوباما إلى توطيد روابط شخصية مع بارك، التي ربما تصعب طبيعتها الخاصة إعادة العلاقة الودودة التي ربطته بالرئيس لي. يجب أن يأتي عقد مؤتمر قمة مبكر تم الإعداد له بشكل جيد على رأس برنامج عمل الحكومتين.

* جي ووك شين، مؤلف «تحالف واحد وعدستان: العلاقات الأميركية الكورية في الحقبة الجديدة»، وهو مدير مركز شورنستاين لأبحاث آسيا - المحيط الهادي بجامعة ستانفورد

* ديفيد ستراوب، مدير مساعد لقسم الدراسات الكورية بستانفورد ورئيس سابق للشؤون الكورية بوزارة الخارجية الأميركية

* خدمة «نيويورك تايمز»