إسقاط طائر النهضة!

TT

منذ ثورة يناير (كانون الثاني) ومصر صارت على الهواء. الفوضى السياسية التي تعيشها الدولة حاليا تراها مجسدة عبر الشاشة. كل برامج «التوك شو» أصابت الجميع بحالة من التخمة، وعدد من الذين صاروا يحملون لقب نخبة، وأحيانا نشطاء، أصبح الواحد منهم من الممكن أن تراه على الهواء مرتين وثلاثا، ليس فقط في الليلة نفسها؛ ولكن في اللحظة نفسها. أرجوك لا تسألني كيف، لأنه بالفعل حدث باعتباره معجزة ثورية من توابع 25 يناير.

هذه البرامج هي خبز المصريين اليومي؛ بل وقطاع وافر من العرب، على الرغم من أنها تكرر النغمة نفسها التي من الممكن تلخيصها في «راكور» ثابت مع اختلاف القناة واسم مقدم البرنامج، كلها تُقدم الطبخة ذاتها: أحد المنتمين لجبهة الإنقاذ الوطني يهاجم «الإخوان» والدستور، يقابله واحد من الجماعة يدافع عن مرسي والمرشد، ثم من الممكن أن ترى في البرنامج واحدا من شباب الثورة يوجه ضربة قاتلة مزدوجة تصيب في مقتل دولة «الإخوان» ودولة «العواجيز»، الاسم المتداول حاليا لجبهة الإنقاذ.

الحوار لم يعد بالكلمة؛ بل باللكمة، بعد أن صار للكلمات مذاق اللكمات. التشبع واحد من أعراض الزهق، ولهذا كان ظهور باسم يوسف في برنامجه «البرنامج» نغمة مغايرة تماما، صارت هي الأكثر شعبية في البيت المصري والعربي. باسم ابن هذا الزمن؛ بل تحديدا الثورة، فهو طبيب القلب الذي ذهب للميدان مع بزوغ ثورة اللوتس لكي يؤدي واجبه الوطني في إسعاف الثوار.. وبعدها ذهب إلى الـ«يوتيوب» ليقدم برامجه للناس، وحقق إنجازا رقميا بمعدلات غير مسبوقة في كثافة المتابعة، وانتقل بسرعة من خانة المئات إلى الآلاف ثم الملايين. التقطته محطة «أون تي في» وبعدها جاءت نقلته التالية في الـ«سي بي سي»، وأتصورها قفزة استثنائية، حيث صارت القنوات الأخرى تعمل لتوقيت عرض حلقته مساء يوم الجمعة ألف حساب. اصطدم في البداية بالقناة عندما غضب الزميل والكاتب الصحافي الكبير عماد أديب من الحلقة التي سخر فيها من صاحب القناة ومن عماد ولميس الحديدي وخيري رمضان وعادل حمودة ومحمد مرسي. وضح أن السخرية من رئيس الجمهورية ممكنة؛ ولكن لم تتحمل إدارة القناة أن يُنتقد عماد.. فعاد مرة أخرى إلى ملعبه الأصلي الـ«يوتيوب» وعرض الحلقة الممنوعة فشاهدها الملايين.

صار باسم هدفا استراتيجيا لكل القنوات الدينية، والذي لم يدركه هؤلاء أن كل برامجهم التي قدموها قبل وبعد الثورة محفوظة في الفضاء الإلكتروني، وهكذا فإنه من السهولة فضح تناقضاتهم، ويبدو الأمر للوهلة الأولى أن باسم يتحدث عن باسم، ويدافع عن باسم، ولا يعنيه في الدنيا سوى باسم؛ لكن الحقيقة هي أنه «يتلكك» من أجل أن يقذف ويقصف كل ما لديه من قنابل في وجه مقدمي هذه البرامج، وأظن أن مدفعيته الثقيلة هي أمضى سلاح حاليا في أيدي المصريين من أجل إسقاط شبح حكم «الإخوان».

المساحة التي يتحرك فيها البرنامج والتي تصل إلى التهكم على الرئيس هي ابنة هذا المناخ، الذي سمح بسقف عال من الحرية الإعلامية، ولا أظن أنه من الممكن التراجع عنها، حيث سقط تماما الخط الأحمر في الفضائيات الخاصة؛ بل إن تلفزيون الدولة الرسمي شهد على الهواء مذيعة تصف نشرة الأخبار بأنها إخوانية، وأخرى تحمل بيدها كفنها أمام المشاهدين.

تستطيع أن ترصد عشرات من المفاجآت وأحيانا الصدمات، ورغم ذلك فلا يزال باسم هو الذي يحقق الآن حالة استثنائية من التماهي مع الجمهور، مصوبا طلقاته لملاحقة طائر النهضة، شعار حزب الحرية والعدالة، منتظرا اللحظة الأخيرة التي يسقط فيها هذا الطائر الأسود الذي خيم على سماء مصر.