هل يفتح العام الجديد الباب لنهاية الأزمات؟

TT

إنها بداية أعياد الميلاد، لذا أتمنى لكم جميعا عيدا سعيدا وأقدم للآخرين وأسرهم التهاني القلبية. وأتمنى لكم جميعا عاما جديدا سعيدا يحمل السلام والرخاء. لقد شهدت بريطانيا عاما مختلفا، فقد بدا عام 2012 واعدا في البداية، لكن لم يتوقع أحد كم سيكون حاسما بالنسبة إلى بريطانيا في ظل احتفال الملكة باليوبيل الماسي لجلوسها على العرش واستضافة دورة الألعاب الأوليمبية ودورة الألعاب الأوليمبية لذوي الاحتياجات الخاصة. هل كان العام الذي يوشك على الرحيل هو موعد إدراك كل ما هو عظيم في بريطانيا العظمى؟ عندما بدأ أسبوع احتفالات اليوبيل الماسي، تغير شيء ما وبدت الدولة على قلب رجل واحد. في الواقع كان لذلك الصيف المذهل الفضل في ازدهار اسم بريطانيا إلى الحد الذي جعلها تتربع على قمة ما يطلق عليه قائمة «القوى الناعمة». ويطلق تعريف القوة الناعمة على قدرة الدولة على تكوين صداقات والتأثير على الآخرين، ليس فقط بالقوة العسكرية أو المال، إنما أيضا بالسياسة والدبلوماسية والأعمال والثقافة والرياضة والتعليم.

بطبيعة الحال يبدو أن عام 2013 عاما لا يقل إثارة عن العام الآفل؛ حيث تنتظر العائلة المالكة مولودا. وفي مثل هذا الأسبوع من عام 2011 كانت لي بعض التوقعات عن عام 2012 وقلت إنني سأراجعها في نهاية عام 2012. لقد توقعت حدوث أمرين كفيلين بإبطاء التعافي الاقتصادي خلال العام وهما الانتخابات وأزمة منطقة اليورو. وتوقعت حدوث أمر ثالث له أثر أكبر على المدى الطويل وهو الدساتير الجديدة التي تصاغ في دول الشرق الأوسط. وصدقت توقعاتي إلى حد كبير.

لقد شاب نتائج الانتخابات عدم رضا عدد كبير من الناس مثلما هو الحال في الولايات المتحدة وروسيا. وربما أخطأت فرنسا؛ حيث نشهد مغادرة الكثير من الأثرياء البلاد. ولا تزال الانتخابات في دول الشرق الأوسط مستمرة، ومن المقرر أن تجرى الانتخابات الفيدرالية في ألمانيا عام 2013.

أما فيما يتعلق بمنطقة اليورو، فقد كنت متفائلا أكثر من اللازم. خلال الأسبوع الأخير من عام 2011، أعلن البنك المركزي الأوروبي عن اتخاذ إجراءات غير مسبوقة لإنقاذ المصارف في دول منطقة اليورو، لكنه استغرق العام بأكمله ليتخذ فقط الخطوات البليدة التي شاهدناها. وانزلقت منطقة اليورو مرة أخرى نحو الركود. ولا يحمل العام المقبل أي بشائر لمنطقة اليورو على ما يبدو.

لقد توقعت في ديسمبر (كانون الأول) عام 2011 خروج اليونان من منطقة اليورو، لكن هذا لم يحدث. وفي حدث أذهل عددا كبيرا من المحللين، تمكنت منطقة اليورو من اجتياز عام 2012 من دون أن تتفكك وتنهار. مع ذلك عام 2013 أمر آخر. ما يثير القلق هو أنه إذا لم تتسبب إيطاليا في فشل اليورو، ستفعل فرنسا ذلك. ومن المنطقي أن تتصدر إيطاليا الأزمة الجديدة التي ستواجهها منطقة اليورو عام 2013. وربما تشهد الانتخابات الفيدرالية في ألمانيا عام 2013 مواطنين سئموا المطالبات بتنفيذ خطط إنقاذ مكلفة من أجل اليونان. وتتوقع وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني أن تشهد منطقة اليورو ركودا خلال عام 2013.

وأتوقع أن تكون بريطانيا هي الدولة الأسرع نموا بين الخمس دول الأوروبية الكبرى خلال العام المقبل. وتوقعاتي بالنسبة للشرق الأوسط أن يشهد المزيد من التطور والقليل من الثورة مقارنة بعام 2012. وفي الوقت الذي لا تزال فيه دول مثل سوريا والبحرين منخرطة في الصراع، هناك دول أخرى مثل ليبيا واليمن ومصر وتونس لا تزال تبحر وسط الأمواج المتلاطمة للمرحلة الانتقالية التي تركز على بناء مؤسسات دولة ديمقراطية تخضع للمساءلة والمحاسبة. ويبدو هذا غير سهل بالمرة كما تبين خلال عملية صياغة الدستور الجديد في مصر.

وحتى تستمر الشرعية والديمقراطية، يجب ألا ينحاز الدستور إلى فئة دون الأخرى، وليس هذا بالأمر السهل؛ حيث لم تصل الكثير من البلاد إلى هذه المرحلة إلا بعد مضي قرون.

وكانت المرحلة الأولى لثورات الربيع العربي هي التمهيد لإقامة نظام ديمقراطي. أما المرحلة الثانية، فهي نوع من الفوضى الديمقراطية في ظل خوض عدد كبير من الأحزاب في مصر وليبيا وتونس معركة سياسية على صياغة الدستور. وتكشف المشاعر الحادة في تونس ومصر عن مشاعر متوترة لمواطنين يدركون من أعماقهم أهمية الدساتير الجديدة لهم ولتطور بلادهم. وسيحدد الدستور النظام السياسي والمؤسسات في كل دولة لعقود مقبلة، لذا يحرص المواطنون والمؤسسات على ضمان حماية مصالحهم. كذلك سيحدد الدستور قرارات المستثمرين الذين تحتاجهم تلك الدول بشدة.

يبدو الكثيرون في مصر راضين عن الدستور الجديد، لكن الأهم من ذلك هو عدم رضا قطاع عريض من الشعب. لقد سلط الاستفتاء الضوء على الانقسامات المريرة؛ حيث تشير التقديرات الأولية أن نسبة التصويت لا تتجاوز الـ30 في المائة. للأسف هناك خلاف كبير على مسودة الدستور في مصر وهو ما أدى إلى انقسامات عميقة. ويدعم مؤيدو الرئيس المصري المنتخب مسودة الدستور، في حين يشجبه المعارضون الليبراليون لتحيزه وافتقاره إلى أي ضمانات تحمي الحقوق الأساسية للمرأة وللأقليات. أعتقد أن مستقبل فلسطين سيكون مهما للغاية عام 2013. وأكد الرئيس المصري مرسي الالتزام باتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل والعمل مع الولايات المتحدة من أجل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في نوفمبر (تشرين الثاني). وقد قاوم المتشددون من تيار اليمين بشأن قرض صندوق النقد الدولي متجاهلا المزاعم بأن فوائد القروض تعد ربا.

إن تحسين مستوى المعيشة والخدمات العامة وتوفير فرص عمل للمواطنين سيتحقق من خلال سياسات أجنبية واقعية. وأتوقع استمرار العلاقات الدولية العملية عام 2013 لتثمر في النهاية نواة دبلوماسية الشرق الأوسط وإرساء الثقة اللازمة للاستثمار.

عندما أتطلع إلى المستقبل أرى اتجاه دول منظمة «أوبك» لخفض إنتاجها خلال عام 2013 من أجل التعامل مع مستوى المخزون المتضخم عالميا. مع ذلك ربما يدعمون السوق من خلال خفض الإنتاج، لكن يزداد التوجه نحو إلغاء نظام الحصص مع انخفاض الأسعار نظرا لاعتماد ميزانيات الحكومات على المستوى نفسه من العائدات. والطريقة الوحيدة للحفاظ على هذا المستوى في ظل انخفاض الأسعار هو بيع المزيد من النفط. ومن الممكن زيادة القدرة الإنتاجية للنفط على مستوى العالم عام 2013، فالحكومات بدءا من الحكومة العراقية ووصولا إلى الحكومة السودانية بحاجة إلى المال. يفوق إنتاج العالم من النفط حاليا الاستهلاك، وسار الحال على هذا المنوال خلال 16 شهرا الماضية. وسيزداد الأمر سوءا خلال عام 2013. وأتوقع انخفاض سعر خام برينت إلى 85 دولارا في وقت ما خلال عام 2013.

وما يضع خاتمة جيدة للعام الحالي، فوز شركة «الدفاع البريطانية الكبرى» (بي آيه إي سيستمز) بصفقة بيع 20 طائرة إلى عمان تبلغ قيمتها 2.3 مليار جنيه إسترليني. ورحب رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، بالاتفاق على بيع 12 طائرة «تايفون» و8 «هوك». وقال قبل وصوله إلى العاصمة العمانية مسقط: «لكل دولة في العالم الحق في الدفاع عن نفسها وأنا أصر على أن أصل بمنتجات صناعة الدفاع البريطانية ذات الجودة العالية إلى المرتبة الأولى في السوق مما يوفر 300 ألف فرصة عمل في مختلف أنحاء البلاد». وأضاف: «إنها بمثابة شهادة بتميز صناعة الطائرات البريطانية الرائدة. وستضمن الآلاف من فرص العمل في مختلف أنحاء المملكة المتحدة، ليس فقط في مصانع (بي آيه إي سيستمز) في لانكشير ويوركشاير، بل كذلك في الكثير من المؤسسات الأخرى الأصغر في مختلف أنحاء البلاد والتي ستلعب دورا حيويا في تسليم هذه الطائرات».

ويبدو عام 2013 عاما مثيرا على الرغم من ما به من تحديات كثيرة. أمام منطقة اليورو طريقا طويلا، وستواجه دول الشرق الأوسط تحديات عليها تخطيها، لكنها ستستفيد إذا توحدت جميعا كما فعلت بريطانيا العظمى خلال الصيف الحالي. سوف تستمر بريطانيا في الحفاظ على مكانتها البارزة على قائمة القوى الناعمة.

سوف يحمل عام 2013 معه فرص عمل لمن يتحلون بالشجاعة وروح المغامرة.

أتمنى لكم جميعا عاما جديدا سعيدا يحمل السلام والرخاء.

* أستاذ زائر في كلية

إدارة الأعمال بجامعة

«لندن متروبوليتان»

ورئيس «ألترا كابيتال».