روسيا والصين.. وعراقيل التقدم

TT

تبدو كل من روسيا والصين دولتين مختلفتين أيما اختلاف؛ فالأولى دولة ذات نظام ديمقراطي زائف يعتمد اقتصادها على الصادرات من الموارد الطبيعية، بينما الثانية دولة الحزب الواحد وأكبر قوة صناعية في العالم. مع ذلك تعاني الدولتان من اقتصاد غير متزن وجماعات قوية تعمل لمصالحها الشخصية تحاول عرقلة أي إصلاح يستهدف إعادة الاتزان. تعتمد روسيا على النفط والغاز، الذي يمثل نصف عائدات الحكومة ونحو 70 في المائة من عائدات الصادرات. إذا أرخت الدولة قبضتها المسيطرة على الاقتصاد وسمحت باستقلال القضاء، فسيشجع هذا الاستثمارات الأجنبية، ويحد من الفساد. وستعزز هذه التغيرات قطاعي التصنيع والخدمات.

الاقتصاد الصيني أكثر تنوعا، لكنه لا يزال بحاجة إلى استعادة الاتزان. ويبلغ الاستهلاك ثلث إجمالي الناتج المحلي فقط، أي نصف مستواه في أوروبا. وعادة ما تكون مستويات الاستثمار مرتفعة، حيث تبلغ 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. يتم إدارة النظام الائتماني بحيث تكون عائدات المواطنين على مدخراتهم ضئيلة، وتحصل المشاريع المملوكة للدولة على قروض بفوائد منخفضة، ويتم تشجيع الاستثمار في البنية التحتية والعقارات. وينبغي على المصارف تلبية احتياجات القطاع الخاص، وينبغي كذلك أن تتراجع هيمنة المشاريع التابعة للدولة على الاقتصاد، وأن يزداد الاستهلاك من خلال الاستثمار. وكما هو الحال في روسيا، من شأن زيادة احترام سيادة القانون أن يساعد الاقتصاد في استعادة اتزانه. ويدرك بعض المسؤولين في كلتا الدولتين الإصلاحات الضرورية، حيث دعا رئيس الوزراء الروسي، فلاديمير بوتين، وبعض وزرائه إلى توقف روسيا عن الاعتماد على الموارد الطبيعية. وفي الصين تدعو الخطة الخمسية الثانية عشرة، التي أُميط عنها اللثام عام 2011، إلى استعادة الاتزان.

وكان هذا هو أيضا لب تقرير «الصين عام 2030» الذي نشره البنك الدولي ومركز بحثي حكومي في شهر فبراير (شباط) الماضي وحظي بدعم رئيس الوزراء المقبل لي كيكيانغ. مع ذلك دعت الخطة الخمسية الحادية عشرة، التي نُشرت عام 2006، إلى الأمر نفسه، لكن لم يكن لها تأثير يُذكر.

العائق الأساسي في طريق الإصلاح في الدولتين هو الجماعات القوية التي تعمل لمصلحتها الشخصية. تحيط الكثير من العائلات في روسيا وكذا رجال أعمال بفلاديمير بوتين ويسيطرون على الشركات الكبرى التي تتحكم في الموارد الطبيعية والمؤسسات الأمنية، ولا يريدون إعادة الاتزان إلى البلاد، فهذا يهدد ثرواتهم ونفوذهم. وبالمثل في الصين، ترتبط الكثير من الفصائل في الحزب الشيوعي، ومشاريع الدولة الكبرى والمؤسسة الأمنية بالريع الاقتصادي والامتيازات التي يضمنها النظام الحالي.

تغيرت القيادة في الدولتين خلال العام الحالي، لكن لا يعني هذا بالضرورة تحسن الأحوال. منذ عودة بوتين إلى مقعد الرئاسة في مايو (أيار) يتحاشى القيام بأي إصلاح سياسي أو اقتصادي. وعندما قابلته في أكتوبر (تشرين الأول) برعاية نادي فالداي، بدا راضيا عن الأداء الاقتصادي، ولم تلح في الأفق أي إصلاحات من داخل النظام. من السابق لأوانه الحكم على أولويات اللجنة الجديدة المكونة من 7 أعضاء، التي تولت القيادة في الصين في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وعلى الرغم من حديث بعضهم عن إجراء إصلاحات اقتصادية، ومكافحة الفساد، يبدو أنهم جميعا يتبنون النهج السياسي المحافظ.

تتمتع المؤسسة الأمنية في كلتا الدولتين بسلطات واسعة وتحصل على موارد مالية وفيرة على مدى السنوات القليلة الماضية. وربما يعزو ذلك إلى عدم شعور الحكام بالأمان. لا تحب المؤسسة الأمنية، حتى في بعض الدول الغربية، الالتزام بسيادة القانون. وترتبط المؤسسة الأمنية في كل من روسيا والصين بفساد منظم والسيطرة على الريع الاقتصادي، مما يجعلهم معادين لأي محاولة لاستعادة الاتزان وما يصاحبه من احترام للقانون.

مع ذلك، إذا عرقلت المصالح الشخصية الإصلاح في روسيا والصين، سوف يتقوض اقتصاد الدولتين. وفي حال عدم إجراء هذه الإصلاحات، ستواجه روسيا انخفاضا في أسعار النفط. وحتى في حال استمرار ارتفاع سعر النفط، سوف يؤدي غياب الإصلاح إلى هروب رؤوس الأموال والعقول. لقد وصل تباطؤ النمو بالفعل إلى 4 في المائة سنويا، في حين كانت نسبته قبل الأزمة المالية 7 أو 8 في المائة. ومن دون استعادة الاتزان سيتجه المنحنى نحو الأسفل على المدى الطويل. ويصدق هذا على الصين أيضا، حيث وصل النموذج الاقتصادي الحالي إلى آخر مدى؛ فقد انخفض النمو ووصل إلى 7 أو 8 في المائة. وإذا لم يتم إجراء إصلاحات، سيظل الاقتصاد يعاني من الاستثمار المبالغ فيه في الصناعات الثقيلة والبنية التحتية والعقارات، وستظل مشاريع الدولة تستنزف الثروة من الأنشطة الاقتصادية الأخرى، ولن ينمو الاقتصاد بسرعة تكفي لتعزيز الأهمية النسبية للصناعات الخفيفة والخدمات.

ومن المرجح أن يؤدي تباطؤ النمو وارتفاع معدل البطالة إلى زيادة الاضطرابات في كلتا الدولتين. وتتمتع حكومة كل من البرازيل والهند وجنوب أفريقيا بالشرعية من خلال انتخابات حرة ونزيهة نسبيا، لكن هذا لا يصدق على الصين ولا روسيا، على الرغم من فوز بوتين خلال الانتخابات التي أجريت مؤخرا وشعبيته الحقيقية.

المصدر الرئيسي لشرعية النظامين في روسيا والصين هو النمو الاقتصادي الذي يساعد على تحسين مستوى المعيشة. وفي ظل تباطؤ النمو، والمرشح للمزيد من التباطؤ في حال استمرار رفض استعادة الاتزان، سيحتاج النظامان وسائل جديدة لإضفاء الشرعية على حكمهما. وربما ينساقان وراء إغراء القرع أكثر على طبول القومية. ويفعل كل من بوتين وهو جينتاو، الرئيس المنتهية ولايته، ذلك بالفعل منذ مدة. لقد عزز بوتين خطابه المعادي لأميركا، واتهم الحكومات الأجنبية بالوقوف وراء المظاهرات الحاشدة المناهضة لحكمه، وضيق الخناق على المنظمات التي لا تهدف للربح في روسيا. وأزعجت الصين على مدى الـ3 سنوات الماضية، وبوجه خاص خلال العام الحالي، الهند وفيتنام والفلبين، من خلال استغلال النزاع الطويل على الحدود. على الغرب أن يأمل في أن يتحلى القادة الروس والصينيون بالجرأة الكافية للتصدي لجماعات النفوذ، والاتجاه نحو إجراء إصلاحات جادة، وإلا سوف يتزايد التباطؤ الاقتصادي في كلتا الدولتين، مما قد يؤدي إلى المزيد من الضرب على وتر القومية. ويؤدي هذا بدوره إلى نفور الدول الغربية، التي تأمل في إشراكهما في مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية العالمية، لاعتبارهما شريكتين خطرتين.

*مدير مركز

الإصلاح الأوروبي

* خدمة «نيويورك تايمز»