مضيق 2013

TT

إذا كان العام المنصرم، أو هو على وشك الانصرام، 2012، عاما ساخنا وقلقا، ومحبطا لأحلام العام الذي قبله 2011، فإن العام الذي يوشك على الولادة 2013 سيكون عاما لا حدود لمفاجآته وأحداثه، عام لا سقف فيه للتوقعات، وكل ما هو آت آت.

تعتقد كثير من الشعوب، خصوصا الغربية، التشاؤم من رقم 13، وهناك تفسيرات أسطورية وتاريخية ومثيولوجية لأصل هذا التشاؤم، ليس مهما هنا استعراضها أو مناقشتها، المهم هو وجود حالة التشاؤم والاعتقاد هذه. وحسب ما يعرف من حال الناس، فإنه ليست مهمة الحقيقة بحد ذاتها، ربما لا توجد حقيقة علمية بالمعنى الصرف هنا إذا ما كنا نناقش أساطير الشعوب والثقافات، بل المهم هو ما يعتقده أهلها فيها، فهو العامل الواقعي المؤثر على الأرض والناس.

حسب المتداول لدى بعض الثقافات، فإن أصل التشاؤم برقم 13 قديم، وقد استمر لحد يومنا، ولم يقتصر على الغربيين، بل لكل ثقافة ما رمز من رموز التشاؤم أو التطير، حيوان أو رقم أو ظاهرة طبيعية.

حسب موسوعة «ويكيبيديا»، فإنه في روما القديمة كانت الساحرات يجتمعن في مجموعات تضم 12. أما الرقم 13 فهو الشيطان. والاسكندنافيون القدماء كانوا يعقدون حبل المشنقة 13 عقدة. ويعتقد البعض أن حواء أعطت آدم التفاحة ليأكلها يوم جمعة، ويفضلون الاعتقاد أنه كان جمعة 13 من الشهر. ويعتقد أيضا أن قابيل قتل هابيل في مثل هذا اليوم.

وفي القرن التاسع عشر، كانت شركة «لويدز» للتأمين البحري في لندن ترفض تأمين أي سفينة تبحر يوم جمعة 13، وقد انعكس هذا الخوف من الرقم 13 على السينما، وخرجت أفلام مرعبة تدور حول الخوف من رقم 13.

لكن، وكما نعلم، فإنه لا معنى لهذا التشاؤم إلا بقدر ما يريد المتشائم أن يعتقد ويقنع نفسه به.

الشاعر العربي الشهير أبو تمام، وهو يتحدث عن آراء المنجمين المتشائمة، طبقا لحسابات حركة الأجرام والكواكب، في تحذير الخليفة العباسي المعتصم من المسير لمعركة عمورية، سخر من كلام المنجمين.

ومما قاله في بائيته الشهيرة:

والـعلم فـي شـهب الأرماح لامعة

بين الخميسين لا في السبعة الشهب

أيـن الـرواية بل أين النجوم وما

صـاغوه من زخرف فيها ومن كذب

عـجائبا زعـموا الأيـام مـجفلة

عـنهن فـي صفر الأصفار أو رجب

وخـوفوا الـناس من دهياء مظلمة

إذا بـدا الكوكب الغربي ذو الذنب

يـقضون بـالأمر عـنها وهي غافلة

مـا دار فـي فـلك منها وفي قطب

وفي الحديث النبوي تحذير من التشاؤم والتطير: «لا عدوى ولا طيرة»، ولكن تظل دوما النفوس ضعيفة أمام غموض المحجوب وتتعلل بكل شاردة وواردة، أو بارحة وسانحة، كما كانت عليه الحال في الثقافة العربية القديمة، والبوارح والسوانح هي شكل من أشكال التطير باتجاه حركة الطيور في الطيران.

هذا عن حديث النفوس وضعفها العام أمام غموض المحجوب عنها، ولكن هل يصح أن نفرق بين التشاؤم المطلق برقم أو بحيوان أو بحدث أو بزي ما، أي بأي علامة مادية، والواقعية الحذرة الأقرب إلى التشاؤم، بالمعنى المادي الملموس المعطوف على دلائل وبراهين أو مقدمات توحي بالنتائج؟!

الصحيح هو أن الحذر والواقعية هو من أجلى صور الحزم والتفكير الحصيف، وتوقع الأسوأ حذرا مما هو أقل.

بالعودة إلى عالمنا اليوم، فإن الحذر هو المطلوب، خصوصا لدول الخليج، بما أن الضرر، للأسف، قد تحقق في جل الدول، بل كل الدول المجاورة، فهنا انقسام سياسي ومجتمعي عميق وأزمة اقتصادية عاصفة (مصر)، وهناك بلد مهدد بالانقسام، ونخبة، بل نخب، حائرة، وقيام لكيانات مضادة للدولة المركزية مثل الحوثيين في الشمال والحراكيين في الجنوب، وبينهما «القاعدة»، وخلال ذلك كله بقايا معسكر الرئيس الراحل أو المرحّل علي عبد الله صالح، أعني اليمن طبعا. ثم هناك دولة تخوض إبحارا مرعبا في نهر الدم والأشلاء، بين نظام جاهلي وحشي تافه وطائفي أيضا، ومعارضة غامضة، وباسلة حقا، نعرف منها فقط العمليات العسكرية، وبعض خطباء المنابر السياسيين، أعني سوريا. وغموض كبير حول اليوم التالي لسقوط المجرم بشار الأسد، وهناك بلد محكوم برجل مهجوس بحروب الطوائف وكربلاء قبل 1400 عام، ومرتهن لتوجه ملالي طهران وحرسها الثوري، سخّر بغداد وقدرات العراق لخدمة المسار الإيراني في المنطقة، يقاومه الأكراد في الشمال والسنة في الغرب وبعض الشيعة في الوسط والجنوب، أعني العراق حتما.

ثم هناك دول تئز من هذا الغليان ويتقلقل مرجلها على بخار التوتر والحنق، مثل الأردن ولبنان والضفة وغزة، وقد وصل دخان هذه الحرائق وحرارة هذا البخار إلى الجار الكبير في الشمال، تركيا العثمانية الأردوغانية.

يبقى الخليج، كما وصفنا سابقا، عبارة عن «حديقة وسط حريقة»، ولكن حتى هذه الحديقة مسها شرر من حرائق الجيران، وتلوث هواؤها بدخان النيران، وضجيج الطبول. ولنا في ما نرى في البحرين مجرد مثال، ولو دققت النظر لوجدت داخل كل دولة خليجية شكوى ما من تغير الحال وكثرة التبرم والشكوى والاضطراب، تختلف الصورة وتتغير الدرجة من هنا لهناك، لكن ثمة شكوى وتغير في الحال، وهذا أمر طبيعي يجب ألا يبعث على الغضب أو الاستنكار، فأنت تعيش متأثرا ومؤثرا، بمن حولك وفي ما حولك. من هنا، فإن انعقاد قمة دول الخليج في المنامة بدولة البحرين، في هذا الوقت، يجب أن يكون محفزا لتوحيد الجهود توفيرا للطاقة، وترشيدا للعمل، ومشاركة في الرؤية، فالتحديات في خطوطها العامة متشابهة بين دول الحوض الخليجي.

لقد كان كلام ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير سلمان بن عبد العزيز صائبا وهو يتحدث في قمة المنامة الأخيرة عن أمله أن تتبنى دول الخليج الإعلان عن الاتحاد الخليجي في قمة الرياض المقبلة، مؤكدا أن «ما تحقق من إنجازات ليس في مستوى الطموحات»، ومعتبرا أن «الانتقال إلى مرحلة الاتحاد الخليجي سيحقق الخير لشعوب الخليج».

ودعوة الانتقال من حالة التعاون إلى حالة الاتحاد، هي التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين في قمة الخليج بالرياض في ديسمبر (كانون الأول) 2011، وحركت هذه الدعوة المياه الراكدة ونقلت الرؤية الخليجية إلى أفق جديد.

الدعوة للاتحاد ليست مجرد عاطفة، وهي أيضا ليست عملا سهلا أو ارتجاليا، لكن جهد معقد ويجب أن يبنى على التشارك في المصالح، لكن لا مناص من هذا التوجه الذي يحمي المستقبل البعيد لهذا التجمع الإقليمي العربي الوحيد، الصامد منذ أكثر من ثلاثة عقود.

عمر مجلس التعاون الخليجي هو عمر جيل كامل، حيث تأسس مجلس التعاون الخليجي في مايو (أيار) 1981 ليكون جامعة للدول العربية الست المطلة على الخليج، بوصفها دولا تملك صفات اقتصادية وسياسية واجتماعية متشابهة، والأهم بوصفها محتاجة للتعاون والتنسيق إزاء دول ضخمة ذات طموحات توسعية مثل إيران، سابقا ولاحقا، وعراق صدام حسين لاحقا، وحتى سابقا بأحلام الملك غازي وعبد الكريم قاسم القديمة في الكويت. كان الهاجس الأمني هو الأول بالنسبة لدول الخليج، بالطبع ضد هيجان إيران الخمينية، وغيرها من المخاطر. وكان أبرزها لاحقا غزو صدام للكويت، لكن تطورت الهواجس وتشابكت المصالح، في نمو طبيعي للأمور.

أهل الخليج، حالهم واحد، ومصيرهم واحد، والأخطار التي تهددهم واحدة، وأنظمتهم متشابهة بدرجة كبيرة، مع فروقات هنا وهناك، كلهم من ذات العجينة الثقافية والتاريخية، ومستقبلهم واحد، ويتشاطأون بحرا واحدا.

قيل هذا الكلام أكثر من مرة سابقا، لكنه يتأكد اليوم أكثر وأكثر ونحن نوشك على إبحار صعب وشديد هذه المرة في بحر 2013 الهائج، وأمواجه العاتية، يجب أن تشد الصواري وتحكم الثقوب وتحفز عزائم الرجال للعبور بسلام من هذا المضيق.. مضيق 2013.

[email protected]